تعالى: «فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ»[1]. أي لن يبطل و لن يضيع، و كما في قوله تعالى حكاية عن منكري البعث «إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ»[2] أي هلكنا و تقطّعنا؛ و قد يكون بمعنى الإشارة إلى خلاف الحقّ على
طريق الإبهام، لأنّه هو الحقّ، كما يقول القائل أضلّني فلان عن الطريق، و كما قال
تعالى: «وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ»[3]، «وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ»[4]؛ و قد يستعمل في الشيء الذي يقع عنده الضلال، و إن لم يكن لذلك
الشيء أثر فيه و ذلك كقول إبراهيم عليه السلام، على ما حكاه اللّه تعالى عنه: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ»[5] و قد يكون بمعنى الحكم بالضلال كما
يقول القائل: «أضلّ فلان فلانا» أي حكم بضلاله، و كذا يقال فيمن يحكم بكفر غيره:
«إنّه قد أكفر»، كما قال الكميت:
و طائفة قد أكفروني بحبّهم
و طائفة قالوا مسيء و مذنب
و قد يكون بمعنى فعل
الكفر و الضلال.
إذا ثبت هذا و تقرّر فنؤول
الهدى و الضلال المضافين إليه تعالى على ما يليق بالحكمة و يطابق دليل العقل
فنقول: إنّ اللّه تعالى قد هدى جميع المكلّفين، بمعنى أنّه دلّهم على الحقّ و
أرشدهم إليه، و إلّا لما حسن تكليفهم سلوك طريق الحقّ.
و كذلك فانّه سيهدي
المطيعين في الآخرة بمعنى الإثابة.
و لا يجوز أن يكون معنى
الهداية المضافة إليه تعالى خلق الإيمان في العبد، لأنّه لو كان كذلك لما استحقّ
العبد على إيمانه ثوابا و مدحا و لم يحسن من اللّه تكليفه به.