إبليس كان، و ما شاء اللّه
لم يكن، و هذا بخلاف ما أجمع عليه المسلمون من قولهم «ما شاء اللّه كان و ما لم
يشأ لم يكن».
و الجواب عن ذلك أن نقول:
أ ليس بالاتفاق ما كان ما أمر اللّه تعالى به الكافر و العاصي من الإيمان و الطاعة
و كان ما أمرهما به إبليس بطريق الوسواس أ فيصح أن يقال: ما أمر به إبليس كان و ما
أمر اللّه به لم يكن؟ و كذلك أو ليس اللّه تعالى ما أحبّ الكفر و المعصية و ما رضي
بهما، و إبليس أحبهما و رضي بهما، و لا يقال: كان ما أحبّه إبليس و رضيه و لم يكن
ما أحبه اللّه تعالى و رضيه، و إنّما لا يقال ذلك في هذه الصور لأنّ ذلك يقتضي
المغالبة و القهر و أنّه تعالى قد قهر و غلب. فأمّا إذا ازيل الإبهام في جميع ذلك
بأن يقال ما أراده تبارك و تعالى و أحبّه و أمر به و رضيه لو وقع من العبد على
طريق الاختيار لا على طريق الإكراه ما حصل من العبد بسوء اختياره لنفسه، و ما
أراده إبليس ممّا وافقت إرادته إرادة العبد من المعاصي التي يشتهيها، وقع لشهوته
لها لصحّ ذلك القول و حسن من حيث لم يكن فيه إيهام المغالبة، على أنّ التشنيع الذي
ألزموناه منقلب عليهم بأن يقال لهم: على قولكم وافقت إرادة إبليس إرادة اللّه
تعالى، لأنّه أراد من الكافر الكفر و من العاصي المعصية و اللّه تعالى أرادهما على
مذهبكم، و إرادة النبيّ خالفت إرادة اللّه تعالى، لأنّه عليه السلام لم يرد من
الكافر و العاصي الكفر و المعصية.
فأمّا قول المسلمين: «ما
شاء اللّه كان و ما لم يشاء لم يكن» لو سلّمنا حصول الإجماع فيه، لكان المراد به:
«ما شاء اللّه من فعل نفسه او من فعل غيره على سبيل الإكراه كان، و ما لم يشاء من
مقدور نفسه أو من غيره على سبيل الإكراه لم يقع. و ذلك لأنّ غرض من يطلق هذا القول
مدحه تعالى و الثناء عليه، و إنّما يحصل هذا الغرض بأن يقول معناه ما ذكرناه،
لدلالته على أنّه تعالى ممّن لا يغلب و لا يقهر، و إلّا فأي مدحة في أن ما يكون ما
شاءه من سوء الثناء عليه،