يريده لنفسه أو بإرادة
قديمة، لأنّ المريد للقبيح يستنقصه العقلاء قبل البحث عمّا به كان مريدا.
و بعد فلا شكّ في أنّ
اللّه تعالى أمر بالطاعات كلّها، و نهي عن المعاصي كلّها، و الأمر بالشيء حثّ و
بعث عليه، و النهي عن الشيء صدّ و صرف عنه، و الحكيم لا يصدّ الغير و لا يصرفه
عمّا يريد منه و لا يحثّه و لا يبعثه على ما لا يريد منه بل يكرهه.
و بعد لو أراد المعصية من
العاصي و كره منه الطاعة، لكان قد أمره بالطاعة ليتركها و نهاه عن المعصية
ليفعلها، و هذا لا يعقل. و القرآن يشهد بأنّ اللّه تعالى أمر بالطّاعة لتفعل، لا
لتترك، و إن كان المأمور غير مطيع، قال اللّه تعالى:
«وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا، وَ ما يَزِيدُهُمْ
إِلَّا نُفُوراً»[1] فأخبر أنّه صرّف في القرآن، ليتذكّر
من لم يتذكّر، و قال تعالى: «لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ» إلى قوله: «وَ ما أُمِرُوا إِلَّا
لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»[2]، فأخبر تعالى أنّه ما أمر المشركين الذين لم يخلصوا العبادة إلّا
ليخلصوا له العبادة، و قال عزّ و جل: «وَ ما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»[3].
و بعد فكان يلزمهم أن يكون
الكافر مطيعا للّه تعالى بفعل الكفر، لأنّه قد صار إلى غرضه و مراده، و من صار إلى
غرض غيره، و مراده فقد أطاعه، فلا يجوز أن يذمّه و يعاقبه، مع أنّه قد صار إلى
غرضه. و أيضا لو أراد المعصية لكان محبّا لها راضيا بها، لأنّ من أراد شيئا من غير
أن يكون مكرها محمولا على إرادته فقد أحبّه، فلا يلزم على هذا أن يكون المريد لشرب
الدّواء البشع محبّا له، لأنّه