قلنا: فإذا تاب و ندم على
فعله فممّن يصدر الندم و التوبة.
إن قالوا: من الظلمة،
كانوا قد أضافوا إليها خيرا، و هو الندم على الشرّ و التوبة منه.
و إن قالوا: من النور،
كانوا قد أضافوا إلى النور، شرّا، لأنّ التوبة و الاعتذار ممّا لم يفعله الإنسان
قبيح.
فإن قالوا: أ ليس راكب
الدابّة يعتذر من رفس دابته، و لا يقبح ذلك منه.
قلنا: معاذ اللّه أن يكون
معتذرا من رفس الدابّة، و إنّما يعتذر من تفريطه في سوق الدابّة و امتناعه من
إيذاء الغير. و على هذا فإنّه لو لم يكن راكبها معها و رفست الدابّة غيره ما كان
يحسن منه الاعتذار إلى المرفوس، فان أظهر شيئا يشبه الاعتذار فانّما ذلك إظهار
التوجّع و التألم بما أصاب الغير، و ليس ذلك اعتذارا حقيقيّا.
[الرد على المجوس]
أمّا المجوس، فانّهم أيضا
ثنويّة، يقولون بالنور و الظلمة، يسندون الخير إلى النور، و الشرّ إلى الظلمة، و
يقولون: إنّ الأجساد من الظلمة، و الأرواح من النور، و الشرور الواقعة من الإنسان
فهي من الجسد و الخيرات من الروح كلّ ذلك بالإيجاب، إلّا أنّهم يثبتون نورا أعظم
يسمّونه زروان و هو اللّه تعالى، و يقولون انّ الظلمة هي الشيطان، فمنهم من قال
بقدم الشيطان، و منهم من قال بحدوثه و إنّه حدث عن فكرة رديّة عرضت لزروان أو شكّ
شكّه.
و الرّدّ عليهم يضاهي
الردّ على الثنويّة بأن نقول: النور و الظلمة جسمان، و قد دللنا على حدوث الأجسام،
فكيف يكونان قديمين؟
و نقول لمن قال: إنّ
الشيطان محدث، و انّه حدث عن فكرة زروان و إنّ الشيطان إذا كان شرّيرا بطبعه
الموجب للشرّ فيجب أن يكون الشرّ صادرا من زروان. و هذا بخلاف مذهبهم و لا ينقلب
هذا علينا في قولنا: إنّ اللّه تعالى خلق الشيطان، لأنّ الشيطان عندنا مختار، و
إنّما يفعل الشرّ بسوء اختياره بخلاف