ما يقوله المجوس، لأنّهم
يقولون: الشيطان موجب للشرّ.
و نقول لهم: على قولهم:
إنّ الشرّ من الجسد و الخير من الروح، إنّا قد رأينا الجسد، إذا فارقته الروح لا
يصدر منه البتة شرّ، و إذا كان فيه الروح تصدر منه شرور كثيرة كالسرقة و الكذب و
النميمة و قتل النفوس، فيجب أن تضيفوا هذه الشرور إلى الروح، أو تشركوا بين الروح
و الجسد في إضافة الشرّ إليهما، و هذا كلام أورده أبو الهذيل على ميلاس المجوسيّ.
فقال ميلاس: الجسد إذا
فارقته الروح ينتن و يصير جيفة، تنفر عنها الطباع، و لا شكّ في أنّ هذا شرّ.
فأجابه أبو الهذيل بأن
قال: أيهما أشر؟ هذا النتن الذي يمكن الإنسان أن يدفع أذيته عن نفسه بوجوه، كالقبض
على أنفه، أو البعد عنه أو مواراته في التراب كما هو مشروع، ثمّ و النتن يزول بعد
أيّام و لا يبقى له أثر؟ أم الشرور التي كانت تقع منه عند ما كان فيه الروح من
الظلم و القتل و النميمة و الكذب إلى غيرها من الشرور.
و نقول لهم: يلزمكم أيضا
قبح الأمر و النهي و المدح و الذمّ مثل لزومه لإخوانكم الثنويّة لأنّ الموجب لا
يحسن أمره و نهيه و لا مدحه و لا ذمّه.
[الرد على النصارى]
أمّا النصارى، فانّهم
قالوا: إنّ اللّه تعالى جوهر و أحد ثلاثة أقانيم، اقنوم الأب و هو ذات الباري، و
أقنوم الابن و هو علمه، و أقنوم روح القدس و هو حياته يعنون بالاقنوم: الشيء
المنفرد بالعدد، و يذهبون إلى أنّ اقنوم الابن وحده الذي هو علمه تعالى اتّحد
بعيسى فصار إلها بعد أن كان إنسانا، و أن عيسى هو خالق الخلق و أنّه سيحيي الموتى
على اختلاف بينهم في كيفية الاتّحاد:
فقالت اليعقوبيّة منهم: إن اقنوم الابن مازج ناسوت عيسى و خالطه فحصل منه شيء ثالث هو
المسيح. و لذلك قالت: إنّ المسيح جوهر من جوهرين اقنوم من اقنومين.