قلنا: لأنّ أحدنا إنما يرى
من حيث هو حي صحيح الحواسّ، و لا شكّ في أنّا أحياء صحيحو الحواسّ، و لهذا نرى ما
يحضرنا من المدركات.
فإن قيل: و ما الذي يتصوّر
كونه مانعا عن الرؤية؟ و لم قلتم إنّها مرتفعة بيننا و بينه تعالى.
قلنا: أمّا الذي يتصوّر
كونه مانعا من الرؤية إنّما هو الحجاب أو كون المرئيّ في خلاف مجازات الرائي أو
البعد المفرط، أو القرب المفرط أو الرقّة أو اللطافة أو الصغر أو كون محلّ المرئي
ببعض هذه الأوصاف، و قد علمنا أنّ هذه الامور لا تصحّ إلّا على الأجسام و الجواهر
أو ما يحلّ الأجسام و الجواهر، و اللّه تعالى ليس جسما و لا جوهرا و لا حالّا في
أحدهما: فثبت أنّه لا مانع يمنعنا عن رؤيته تعالى. فلو كان تعالى مرئيّا، لوجب أن
نراه الآن، لاجتماع هذه الامور. و على هذا حكمنا بأنّ الروية من باب ما إذا صحّ
وجب، لأنّها إنّما تصحّ عند اجتماع هذه الامور، و عند اجتماع هذه الامور كما تصحّ
تجب.
فإن قيل: و لم قلتم إنّ
عند اجتماع هذه الامور كما تصحّ تجب؟ و هلّا جوزتم أن تتوقّف رؤيتنا للمرئيّ على
معنى يخلقه اللّه تعالى فينا؟
قلنا: لأنّه لو لم تجب
الرؤية عند اجتماع هذه الامور و كان وجوب الرؤية موقوفا على شيء آخر، لأدّى إلى
التشكّك في المشاهدات حتى تجوز أن يكون بحضرتنا أجسام كثيفة و لا نراها، و أن
نجوّز في الذي نراه شابّا أن يكون كهلا، و في الأمرد أن يكون ملتحيا، و أن يكون
على الإنسان أكثر من الأعضاء التي نشاهدها، حتى تجوّز أن يكون له ثلاثة أو أربعة
من الأيدي و أن يكون له أكثر من رأس واحد، و هذا ذهاب إلى مذهب السوفسطائيّة،
الذين يدعون أنّا لا نثق بالمشاهدات، و كان يلزم أن يكون تصرّفنا بمنزلة تصرّف
العميان.
فإن قيل: نحن نعلم، ضرورة،
انتفاء ما لا ندركه من المدركات الجليّة التي تجرى مجرى ما ندركه: و كذا نعلم
ضرورة أنّ ما ندركه هو على ما ندركه من غير