المسألة سمي هو و أصحابه،
أصحاب المعاني، و زاد على ذلك فقال: الحركة إنما خالفت السكون لا بذاتها، بل بمعنى
أوجب المخالفة، و كذلك مغايرة المثل المثل و مماثلته، و تضاد الضد الضد، كل ذلك
عنده بمعنى.
و منها، ما حكى الكعبي عنه
أن الإرادة من اللّه تعالى للشيء غير اللّه، و غير خلقه للشيء، و غير الأمر: و
الإخبار، و الحكم، فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف، و قال ليس للإنسان فعل سوى
الإرادة، مباشرة كانت أو توليدا، و أفعاله التكليفية من القيام و القعود، و
الحركة، و السكون في الخير و الشر كلها مستندة إلى إرادته؛ لا على طريق المباشرة،
و لا على طريق التوليد، و هذا عجب، غير أنه إنما بناه على مذهبه في حقيقة الإنسان،
و عنده، الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد، و هو عالم، قادر، مختار، حكيم ليس بمتحرك،
و لا ساكن، و لا متكون، و لا متمكن، و لا يرى؛ و لا يمس، و لا يحس، و لا يجس، و لا
يحل موضعا دون موضع، و لا يحويه مكان، و لا يحصره زمان[1]، لكنه مدبر للجسد، و علاقته مع البدن علاقة التدبير و التصرف. و
إنما أخذ هذا القول من الفلاسفة، حيث قضوا بإثبات النفس الإنسانية أمرا ما، هو
جوهر قائم بنفسه. لا متحيز و لا متمكن، و أثبتوا من جنس ذلك موجودات عقلية مثل
العقول المفارقة. ثم لما كان ميل معمر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميز بين أفعال
النفس التي سماها إنسانا، و بين القالب الذي هو جسده؛ فقال: فعل النفس هو الإرادة فحسب.
و النفس إنسان، ففعل الإنسان هو الإرادة؛ و ما سوى ذلك من الحركات و السكنات و
الاعتمادات فهي من فعل الجسد.
و منها: أنه يحكى عنه أنه
كان ينكر القول بأن اللّه تعالى قديم؛ لأن قديم أخذ من قدم يقدم فهو قديم؛ و هو
فعل كقولك أخذ منه ما قدم و ما حدث. و قال أيضا:
هو يشعر بالتقادم الزماني،
و وجود الباري تعالى ليس بزماني.
[1] وصف الإنسان بما
يوصف به الإله سبحانه لأنه وصفه بأن عالم قادر مختار حكيم و هذه الأوصاف واجبة
للّه تعالى. ثم نزّه الإنسان عن أن يكون متحركا أو ساكنا أو متلونا ... و اللّه
سبحانه منزّه عن هذه الأوصاف.