اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 123
إذ حق العبد أن يرغب إلى
اللّه تعالى فيما هو الأصلح له، و عند ذلك يبطل القدر رأسا على أصول المعتزلة.
و مما نخاطب به البصريين
أن نقول: الرب تعالى قادر على التفضل بمثل الثواب، فأي غرض في تعريض العباد للبلوى
و المشاق و البلاء؟ فإن قالوا: لا يتصف الرب تعالى بالاقتدار على ذلك، فإنا لو
قدرنا ذلك لكان الرب تعالى متفضلا به، و استيفاء الحق المستحق أولى من قبول الفضل.
قلنا: هذا قول من لم يقدر
اللّه حق قدره، و ما ذكرتموه إنما يؤول إلى نفي قبول المنن، و ذلك بين الأكفاء و
الأضراب، و من الذي يستكبر، و هو عبد مربوب، من قبول فضل اللّه؟
و الدليل عليه أن الرب
تعالى متفضل، بابتداء التكليف عندكم معاشر البصريين، فالثواب مترتب على ما اللّه
تعالى متفضل بأصله. ثم نقول: نسيتم أصولكم في الرجوع إلى الشاهد. و معلوم أن ملكا
في زماننا لو تفضل على واحد، و أكرم مثواه، و أجزل جائزته، و أعلى رتبته، و استأجر
أجيرا ثم وافاه أجره بعد عرق الجبين و كدّ اليمين، فالمتفضل عليه أحق بكونه محظوظا
مرعيا ملحوظا؛ و سنعود إلى ذلك إن شاء اللّه عز و جل.
ثم نقول: العجب كل العجب
ممن يقول تعريض من يكفر للهلاك أصلح له من التفضل عليه! و لا مزيد على ذلك في عمى
البصائر، و قانا اللّه البدع.
فصل
اللطف عند المعتزلة، هو
الفعل الذي علم الرب تعالى أن العبد يطيعه عنده، و لا يتخصص ذلك بجنس، و رب شيء
هو لطف في إيمان زيد، و ليس بلطف في إيمان عمرو.
و قد يطلق اللطف مضافا إلى
الكفر، فيسمى ما يقع الكفر عنده لطفا في الكفر. ثم من أصل المعتزلة أنه يجب على
اللّه تعالى أقصى اللطف بالمكلفين، و قالوا على منهاج ذلك: ليس في مقدور اللّه
تعالى لطف لو فعله بالكفرة لآمنوا، تعالى اللّه عن قولهم علوا كبيرا.
و أما أهل الحق، فاللطف
عندهم خلق قدرة على الطاعة، و ذلك مقدور للَّه تعالى أبدا. فنقول للمعتزلة: لم
أوجبتم اللطف في الدين؟ و هلا قلتم إنه يقطع اللطف تعظيما للمحنة، و تعريضا
للمكلفين لعظم المشقات، و قطع الألطاف تعريض للثواب الأجزل؟
فإن قالوا: الغرض أن
يؤمنوا، قلنا: فأي غرض في تكليف من لا يؤمن؟ و إذا حكمنا العقول فاخترام من هذه
سبيله هو اللطف به، دون تعريضه للتكليف، مع العلم بأنه لا لطف في المعلوم يؤمن
المكلف عنده؛ فهذا مبلغ غرضنا في الصلاح و الأصلح و اللطف.
باب القول في إثبات
النبوءات
إثبات النبوءات من أعظم
أركان الدين، و المقصود منه في المعتقد يحصره خمسة أبواب:
اسم الکتاب : الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أول الاعتقاد المؤلف : الجویني، عبد الملك الجزء : 1 صفحة : 123