اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 9
بالكلية، و لم ينفوا
القضاء و القدر عن اللّه تعالى بالكلية، بل قالوا: أفعال العباد من اللّه من وجه،
و من العبد من وجه. و للعبد اختيار في إيجاد أفعاله.
و اعلم أن قضاء اللّه
تعالى على أربعة أوجه: قضاء الطاعات، و قضاء المعاصي، و قضاء النعم، و قضاء
الشدائد. و المذهب المستقيم في ذلك، إذا قضى للعبد الطاعة فعليه أن يستقبله بالجهد
و الإخلاص حتى يكرمه اللّه بالتوفيق و الهداية لقوله تعالى:
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا
فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69]. يعني
الذين جاهدوا في طاعتنا و في ديننا لنوفقنهم لذلك. و إذا قضى المعصية، فعليه أن
يستقبله بالاستغفار و التوبة و الندامة من صميم الفؤاد، لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]. و إذا قضى النعمة،
فعليه أن يستقبله بالشكر و السخاء حتى يكرمه بالزيادة، لقوله تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
[إبراهيم: 7]. و إذا قضى الشدة، فعليه أن يستقبله بالصبر و الرضاء حتى يعطيه الكرامة
في الدار الآخرة، لقوله تعالى: «إن اللّه يحبّ الصّابرين»[1] و قال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: 10]. و ذكر
الفاضل الإمام مولانا علاء الدين في شرحه للمصابيح:
«الفرق بين القضاء و
القدر، هو أن القضاء وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ، إجمالا لا تفصيلا، و
القدر هو تفصيل قضائه السابق بإيجادها في المواد الخارجية واحدا بعد واحد. و قيل
القضاء هو الإرادة الأزلية، و العناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب
خاص، و القدر تعلق تلك الإرادة بالأشياء في أوقاتها الخاصة. ثم إن المسلمين في
القدر على اختلاف: منهم من ذهب إلى أن كلّ ما يجري في العالم من الخير و الشرّ و
الأفعال و الأقوال بقضاء اللّه و قدره، و لا اختيار للعباد فيه، و يسمى هذا القوم
جبرية. و الجبر هو القهر و الإكراه؛ فيقولون: أجبر اللّه عباده على أقوالهم و
أفعالهم من غير اختيار منهم فيها؛ و يزعمون أن إضافتها إليهم إضافتها إلى
الجمادات؛ في مثل قولنا: دارت الرحا و جرى الميزاب. و هذا المذهب باطل؛ لأنهم
قالوا هذا القول ليسقطوا من أنفسهم التكاليف، و شبهوا أنفسهم بالصبيان و المجانين
في عدم جريان الخطاب بهم، فقد كفروا؛ لأن مذهبهم يفضي إلى إبطال الكتب و الرسل. و
إن قالوا
[1] لفظ الآية 146 من
سورة آل عمران: وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 9