اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 10
ذلك لتعظيم اللّه و تحقير
أنفسهم و عجزهم عن دفع قضاء اللّه، فهم مبتدعون لمخالفتهم الإجماع.
و منهم من ذهب إلى أن كل
ما يصدر عن العباد عقيب قصدهم و إرادتهم يكون واقعا بقدرتهم و اختيارهم، و لا
يتعلق بها بخصوصها قدرة اللّه و إرادته، و يسمّى هؤلاء قدرية لنفيهم القدر لا
لإثباتهم. و هذا المذهب أيضا باطل؛ لأنهم إن قالوا هذا القول عن اعتقاد جواز العجز
عن التقدير للّه تعالى، فهم كافرون، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا؛ و إن قالوا
عن خطأ اجتهاداتهم و تنزيه الحق عن تقدير أفعالهم القبيحة و خلقها فهم مبتدعون
لمخالفتهم الإجماع. و من هذه الطائفة من يقول: الخير بتقدير اللّه.
و الشر ليس بتقديره.
و المذهب الحق هو أن
المؤثر مجموع القدرتين: قدرة اللّه و قدرة العباد، فالأفعال الصادرة عن العباد
كلها بقضاء اللّه و قدره، و لكن للعباد اختيار، فالتقدير من اللّه، و الكسب من
العباد، و هذا المذهب وسط بين الجبر و القدر، و عليه أهل السنة و الجماعة». انتهى
كلامه.
و ذكرنا في كتاب «المقصد
الأقصى» تدبير رب الأرباب و مسبب الأسباب، أصل وضع الأسباب، ليتوجه إلى المسببات
حكمه، و نصبه الأسباب الكلية الأصلية الثابتة المستقرة التي لا تزول و لا تحول
كالأرض و السموات السبع و الكواكب و الأفلاك، و حركاتها المتناسبة الدائمة التي لا
تتغير و لا تنعدم، إلى أن يبلغ الكتاب أجله و قضاؤه، كما قال: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَ أَوْحى فِي
كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت: 12]. و توجيهه هذه الأسباب-
بحركاته المناسبة المحدودة المقدرة المحسوبة إلى مسببات الحادثة منها لحظة بعد
لحظة- قدره. فالحكم هو التدبير الأول الكلي، و الأمر الأزلي هو كلمح البصر. و
القضاء هو الوضع الكليّ للأسباب الكلية الدائمة. و القدر هو توجيه الأسباب الكلية
بحركاتها المقدّرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم لا يزيد و
لا ينقص؛ و لذلك لا يخرج شيء عن قضائه و قدره. و لا تفهم ذلك إلا بمثال؛ و لعلك
شاهدت صندوق الساعات التي بها تتعرف أوقات الصّلوات و إن لم تشاهده، فجملة ذلك أنه
لا بدّ فيه من آلة على شكل أسطوانة تحوي مقدارا من الماء معلوما، و آلة أخرى مجوفة
موضوعة فيها فوق الماء، و خيط
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 10