responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 70

مصرّا عليها فهو أول من يدخل النار». و قال صلى اللّه عليه و سلم: «مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم، فقيل لي: هؤلاء الذين كانوا يغتابون الناس».

و اعلم أن حدّ الغيبة- كما بيّنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، و إن كنت صادقا، سواء ذكرت نقصانا في نفسه، أو عقله، أو ثوبه، أو فعله، أو قوله، أو داره، أو نسبه، أو دابته، أو شيئا مما يتعلق به، حتى قولك إنه واسع الكم، أو طويل الذّيل؛ حتى ذكر عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجل فقيل: ما أعجزه، فقال عليه السلام:

«اغتبتموه». و أشارت عائشة- رضي اللّه عنها- بيدها إلى امرأة أنها قصيرة، فقال عليه السلام: «اغتبتها».

فبهذا يعلم أن الغيبة لا تقتصر على اللسان، بل لا فرق بين أن يحصل التفهيم باليد أو بالرمز أو بالإشارة أو بالحركة أو بالمحاكاة أو التّعريض المفهم، كقولك: إن بعض أقربائنا و بعض أصدقائنا كذا كذا.

و اعلم أن أخبث أنواع الغيبة غيبة القرّاء، يقولون مثلا: الحمد للّه الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان لطلب الدنيا؛ أو: نعوذ باللّه من قلة الحياء؛ و هم يفهمون المقصود بذلك، يقولون: ما أحسن أحوال فلان لو لا أنه بلي بمثل ما ابتلي به أمثالنا، و هو قلة الصبر عن الدنيا، فنسأل اللّه تعالى أن يعافينا؛ و غرضهم بذلك الغيبة، فيجمعون بين الغيبة و الرياء، و إظهار التشبه بأهل الصّلاح في الحذر من الغيبة. و هذه خبائث يغترّون بها و هم يظنون أنهم تركوا الغيبة. و كذلك قد يغتاب واحد فيغفل عنه الحاضرون فيقول: سبحان اللّه ما أعجب هذا، حتى ينتبه القوم إلى الإصغاء، فيستعمل ذكر اللّه في تحقيق خبثه، و يقول: قلبي مشغول بفلان تاب اللّه علينا و عليه، و ليس غرضه الدعاء بل التعريف؛ و لو قصد الدعاء لأخفاه، و لو اغتمّ قلبه لأجله لكتم عيبه و معصيته.

و كذلك المستمع، قد يظهر تعجبا من كلام المغتاب حتى يزيد نشاطه في الغيبة؛ و المستمع أحد المغتابين، كذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فكيف إذا حرّك نشاطه بالتعجب! و كذلك قد يقول: دع غيبة فلان؛ و هو بقلبه غير كاره لغيبته، إنما غرضه أن يعرف بالتورع؛ و ذلك لا يخرجه عن إثم الغيبة ما لم يكرهها بقلبه و يورطه في إثم الرياء، بل يخرج من الإثم بأن يكرهه قلبه، و يكذب المغتاب و لا يصدّقه عليه، لأنه فاسق يستحق التكذيب.

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 70
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست