responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 7

معصيته إلا بتوفيقه و رحمته، و لا قوة له على طاعته إلا بمعونته و إرادته. لو اجتمع الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين، على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكّنوها دون إرادته و مشيئته عجزوا عن ذلك. و أن إرادته قائمة بذاته في جملة صفاته، لم يزل كذلك موصوفا بها، مريدا في أزله لوجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها، فوجدت في أوقاتها كما أراده في أزله، من غير تقدم و لا تأخر، بل وقعت على وفق علمه و إرادته، من غير تبدل و لا تغير. دبّر الأمور بلا ترتيب أفكار، و تربص زمان، فلذلك لا يشغله شأن عن شان.

اعلم أن هذا المقام مزلة الأقدام، و لقد زلت فيه أقدام الأكثرين، لأن تمام تحقيقه مستمدّ من تيّار بحر عظيم وراء التوحيد، و هم يطلبونه بالبحث و الجدال؛ و لقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «ما ضلّ قوم بعد هدى إلا أوتوا الجدال» و يستدلون بآيات القرآن مؤولين و ليسوا من أهل التأويل، و لو نال كل واحد مقام التأويل، لما قال صلى اللّه عليه و سلم داعيا لابن عباس- رضي اللّه عنهما-: «اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل»، و لما قال يعقوب ليوسف- على نبينا و عليهما السلام- «كذلك يجتبيك ربّك و يعلّمك من تأويل الأحاديث». قال صاحب «الكشاف» في تفسيرها: يعني معاني كتب اللّه، و سنن الأنبياء- عليهم السلام- و ما غمض و اشتبه على الناس من أغراضها و مقاصدها تفسرها لهم و تشرحها، و تدلهم على مودعات حكمها. و إنما زلت أقدام الأكثرين في هذا المقام، لأنهم يتبعون الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله، و ما يعلم تأويله إلا اللّه و الراسخون في العلم؛ و هؤلاء ليسوا براسخين فيه، بل هم قاصرون عاجزون؛ فلقصورهم لم يطيقوا ملاحظة كنه هذا الأمر، فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمراته بلجام المنع مع سائر القاصرين، فقيل لهم اسكتوا، فما لهذا خلقتم، لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ‌ [الأنبياء: 23] عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنه قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و نحن نتنازع في القدر، فغضب- عليه السلام- حتى احمرّ وجهه الشريف، فقال: «أ بهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم، حين تنازعوا في هذا الأمر؛ عزمت عليكم، عزمت عليكم في هذا الأمر أن لا تنازعوا فيه».

و عن أبي جعفر قال: قلت ليونس بن عبيد: مررت بقوم يختصمون في القدر، فقال: لو همّتهم ذنوبهم ما اختصموا في القدر، و امتلأ مشكاة بعضهم نورا مقتبسا من نور اللّه، و كان زيتهم صافيا حتى يكاد يضي‌ء و لو لم تمسسه نار، فاشتعل نورا على نور،

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 7
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست