اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 6
تعالى عن أن يحويه مكان،
كما تقدس عن أن يحدّه زمان؛ بل كان قبل أن خلق الزمان و المكان، و هو الآن على ما
عليه كان. و أنه باين بصفاته من خلقه ليس في ذاته سواه، و لا في سواه ذاته. و أنه
مقدس عن التغيير و الانتقال، لا تحله الحوادث، و لا تعتريه العوارض، بل لا يزال في
نعوت جلاله منزها عن الزوال، و في صفات كماله مستغنيا عن زيادة الاستكمال. و أنه
في ذاته معلوم الوجود بالعقول، مرئيّ الذات بالأبصار، نعمة منه و لطفا بالأبرار في
دار القرار، و إتماما للنعيم بالنظر إلى وجهه الكريم.
الأصل الثالث في القدرة:
و أنه حيّ قادر جبار قاهر،
لا يعتريه قصور و لا عجز، و لا تأخذه سنة و لا نوم، و لا يعارضه فناء و لا موت. و
أنه ذو الملك و الملكوت، و العزة و الجبروت، له القدرة و السلطان و القهر، و الخلق
و الأمر، و السموات مطويات بيمينه، و الخلائق مقهورون في قبضته. و أنه المتفرد
بالخلق و الاختراع، المتوحد بالإيجاد و الإبداع؛ خلق الخلق و أعمالهم، و قدّر أرزاقهم
و آجالهم، لا يشذ عن قبضته مقدور، و لا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور، لا تحصى
مقدوراته و لا تتناهى معلوماته.
الأصل الرابع في العلم:
و أنه عالم بجميع
المعلومات، محيط بما يجري في تخوم الأرضين إلى أعلى السموات، لا يعزب عن علمه
مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء، بل يعلم دبيب النملة السوداء، على الصخرة
الصماء، في الليلة الظلماء، و يدرك حركة الذر في جوّ الهواء، و يعلم السر و أخفى،
و يطلع على هواجس الضمائر و حركات الخواطر و خفيات السرائر، بعلم قديم أزلي، لم
يزل موصوفا به في أزل الآزال، لا يعلم متجدد حاصل في ذاته بالتحوّل و الانتقال.
الأصل الخامس في
الإرادة:
و أنه مريد للكائنات، مدبر
للحادثات، فلا يجرى في الملك و الملكوت قليل و لا كثير، و لا صغير و لا كبير، خير
أو شر، نفع أو ضر، إيمان أو كفر، عرفان أو نكر، فوز أو خسر، زيادة أو نقصان، طاعة
أو عصيان، إلا بقضائه و قدره، و حكمه و مشيئته؛ فما شاء كان، و ما لم يشأ لم يكن.
لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر و لا فلتة خاطر؛ بل هو المبدئ المعيد، الفعّال لما
يريد، لا رادّ لحكمه، و لا معقب لقضائه، و لا مهرب لعبد عن
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 6