اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 68
العقل بترك كنز مكنوز، و
أخذ مدرة[1]؟ هذا لو لم يكن فيه إثم، فإن كان إثم،
فقد استبدل بترك كل كنز و أخذ شعلة من النار. و من جملة ما لا يعني حكاية الأسفار
و أحوال أطعمة البلاد و عاداتهم، و أحوال الناس، و أحوال الصناعات و التجارات؛ و
هو من جملة ما ترى الناس يخوضون فيه.
[فصل تفصيل هذه
الآفات]
لعلك تريد أن تعرف تفصيل
بعض هذه الآفات؛ فاعلم أن الغالب على الألسنة من جملة العشرين آفة خمسة: الكذب، و
الغيبة، و المماراة، و المدح، و المزاح.
[الآفة] الأولى الكذب:
و قد قال صلى اللّه عليه و
سلم: «لا يزال العبد يكذب و يتحرّى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا». و قال صلى
اللّه عليه و سلم: «ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك منه الناس، ويل له ويل له».
و قيل: يا رسول اللّه، أ
يزني المؤمن؟ أ يسرق المؤمن؟ قال عليه السلام: «قد يكون ذلك»، فقيل له أ يكذب؟
فقال: «لا، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات اللّه».
و قال عليه السلام: «ألا
أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك باللّه، و عقوق الوالدين»، و كان متكئا فقعد، و قال
عليه السلام: «ألا و قول الزّور»، و قال عليه السلام: «كل خصلة يطبع اللّه عليها
المؤمن إلا الخيانة و الكذب».
فصل الكذب حرام في كل
شيء، إلا لضرورة
اعلم أن الكذب حرام في كل
شيء، إلا لضرورة، حتى قالت امرأة لولدها الصغير تعال حتى أعطيك، فقال النبي صلى
اللّه عليه و سلم: «و ما ذا كنت تعطينه لو جاء؟» قالت: تمرة.
قال: «أما لو لم تفعلي
كتبت عليك كذبة». فليحذر الإنسان الكذب حتى في التخيّل و حديث النفس، فإن ذلك يثبت
في النفس صورة معوجّة حتى تكذب الرؤيا فلا تنكشف في النوم أسرار الملكوت، و التجربة
تشهد بذلك. نعم إنما يرخص في الكذب إذا كان الصدق يفضي إلى محذور آخر أشد من
الكذب، فيباح كما تباح الميتة إذا أدى تركها إلى محذور أشد من أكلها، و هو فوات
الرّوح. قالت أم كلثوم- رضي اللّه عنها: «ما