اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 39
التوحيد الحقيقي. و قولك:
«اللّه أكبر»، فليس المعني به أنه أكبر من غيره، إذ ليس معه- سبحانه- غيره حتى
يقال أكبر منه، بل كل ما سواه فهو نور من أنوار قدرته. و ليس لنور الشمس مع الشمس
رتبة المعيّة، حتى يقال إنها أكبر منه؛ بل رتبة التبعية؛ بل معناه أنه- عز و جل-
أكبر من أن ينال بالحواس، أو يدرك جلاله بالعقل و القياس، بل أكبر من أن بدرك كنه
جلاله غيره، بل أكبر من أن يعرفه غيره، فإنه لا يعرف اللّه- تبارك و تعالى- إلا
اللّه، فإن منتهى معرفة عباده، أن يعرفوا أنه يستحيل منهم معرفته الحقيقة. و لا يعرف
ذلك أيضا بكماله إلا نبي أو صدّيق، أما النبيّ، فيعبر عنه و يقول: «لا أحصي ثناء
عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، و أما الصّديق فيقول: «العجز عن درك الإدراك
إدراك».
فإن تشوّقت إلى زيادة
تحقيق في هذا المعنى و استنكرت قولي: «لا يعرف اللّه إلا اللّه» فاطلب معرفة
حقيقته بالبرهان من كتاب المقصد الأقصى في معاني أسماء اللّه الحسنى، و يكفيك الآن
هذا القدر من الرموز إلى أسرار الذكر، و فضل الأذكار منها.
الأصل السابع في طلب
الحلال:
قال اللّه سبحانه و تعالى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً [المؤمنون:
51]. و الحرام خبيث و ليس
بطيب، فقد قرن- عز و جل- أكل الطيبات بالعبادات، و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه
و سلم: «طلب الحلال فريضة على كل مسلم بعد الفريضة»، أي بعد فريضة الإيمان و
الصلاة. و قال صلى اللّه عليه و سلم: «من أكل الحلال أربعين يوما نوّر اللّه قلبه،
و أجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»، و في رواية أخرى: «زهّده اللّه في
الدنيا».
و قال صلى اللّه عليه و
سلم: «إن للّه ملكا على بيت المقدس، ينادي كل ليلة: من أكل حراما لم يقبل منه صرف
و لا عدل»؛ فالصّرف النافلة و العدل الفريضة. و قال صلى اللّه عليه و سلم: «من
اشترى ثوبا بعشرة دراهم، و في ثمنه درهم حرام، لم يقبل اللّه صلاته ما دام عليه
منه شيء». و قال عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنه-: «لو صليتم حتى تكونوا
كالحنايا، و صمتم حتى تكونوا كالأوتار، لم يقبل اللّه ذلك منكم إلا بورع حاجز» و
قيل: العبادة مع أكل الحرام كالبنيان على السّرقين[1].
[1] السرقين: بكسر
السين و فتحها الزبل و الكلمة فارسية.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 39