responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 36

التوحيد. و كذلك القول في المعرفة، فمن طلب المعرفة للمعرفة فقد قال بالثاني، و من وجدها، كمثل أن لا يجدها بل يجد المعروف بها، فهو الذي استمكن من حقيقة الوصال، و حل بحبوحة حظيرة القدس، فإن قلت: فلم اختصت هذه المكاشفات بحال الفناء؟ فاعلم أن هذه قصة يطول فيها نظر الناظر، و ذلك إذا تأملت لم تقصّر عن أن تدرك كون الحواس و عوارض النفس و شهواتها، جاذبة إلى هذا العالم المحسوس، و هو عالم الزور و الغرور، و لذلك يكشف صريح الحق بالموت، لبطلان سلطان الحواس و الخيالات المولية بوجه القلب إلى عالم السفل؛ فإن قصّر عنك سلطان الحواس بالنوم، طولعت بشي‌ء من الغيب على قدر استعدادك و قبولك و همّتك، و لكن بمثال يحتاج إلى التعبير. و ما عندي أنك لم تصادف من نفسك رؤيا صادقة اطّلعت بها على أمر مستقبل، لكن الخيال لا يفتر في النوم و إن ركدت الحواس؛ فلذلك يضعف الاطلاع و لا يخلو من شوب المثال.

و أما الفناء، فعبارة عن حالة تركد فيها الحواس و لا تشتغل، و يسكن فيها الخيال و لا يشوّش؛ فإن بقيت في الخيال بقية مغلوبة، لم يؤثر إلا في محاكاة ما يتجلى من عالم القدس، حتى يتمثل الأنبياء و الملائكة و الأرواح المقدسة في قوالب الخيال.

فهذه أمور نبهت عليها لتكون متشوقا إلى أن تصير من أهل الذوق لها، فإن لم تكن، فمن أهل العلم بها، فإن لم تكن، فمن أهل الإيمان بها، و يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ‌ [المجادلة: 11]. و إياك أن تكون من المنكرين لها، فتلقى العذاب الشديد، إذا كوشفت بالحق عند سكرات الموت الذي كنت منه تحيد، و قيل لك: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: 22].

و اعلم أن الإيمان و العلم و الذوق ثلاث درجات متباعدة، فإن العنّين‌ [1] مثلا يتصور أن يصدق بوجود شهوة الوقاع لغيره، بأن يقبل ذلك ممن يحسن ظنه به و لا يتهمه بالكذب، و ذلك إيمان، و يتصور أن يعلم بالبرهان وجوده لغيره، و هو علم؛ و مأخذه قياس أن ينظر إلى شهوته للطعام مثلا، فيقيس بها شهوة الوقاع، و كل ذلك بعيد عن‌


[1] العنين: من لا يأتي النساء عجزا أو كرها.

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 36
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست