responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 35

تعالى: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً، وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ‌ [الرعد: 15]. و سجود عالم الأمر طوع للّه، و سجود الظلال كره، و تحته سرّ بل أسرار، تحرك أوائلها سلسلة المجانين الحمقى، فضلا عن أواخرها؛ فلنتجاوزها، فقد أفهمناك ما أرادوه بالفناء. فدع عنك الغيبة و التكذيب بما لم تحط بعلمه كما قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ‌ [يونس: 39]، و قال تعالى: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ‌ [الأحقاف: 11].

فإذا فهم الفناء في المذكور فاعلم أنه أول الطريق، و هو الذهاب إلى اللّه عز و جل، و إنما الهدى بعده؛ أعني بالهدى هدى اللّه، كما قال الخليل- صلوات اللّه عليه- إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‌ رَبِّي سَيَهْدِينِ‌ [الصافات: 99]. فأول الأمر ذهاب إلى اللّه، ثم ذهاب في اللّه، و ذلك هو الفناء و الاستغراق به. و لكن هذا الاستغراق أولا يكون كبرق خاطف قلّ ما يثبت و يدوم. فإن دام ذلك صارت عادة راسخة و هيئة ثابتة، عرج به إلى العالم الأعلى و طالع الوجود الحقيقي الأصفى، و انطبع له نقش الملكوت، و تجلى له قدس اللاهوت، و أول ما يتمثل له من ذلك العالم: جواهر الملائكة و أرواح الأنبياء و الأولياء في صورة جميلة، يفيض إليه بواسطتها بعض الحقائق- و ذلك في البداية إلى أن تعلو درجته عن المثال، فيكافح بصريح الحق في كل شي‌ء، فإذا رد إلى هذا العالم المجازي الذي هو كالظلال، نظر إلى الخلق نظر مترحّم عليهم، لحرمانهم من مطالعة جمال حظيرة القدس، و تعجب منهم في قناعتهم بالظلال، و انخداعهم بعالم الغرور و عالم الخيال، فيكون معهم حاضرا بشخصه، غائبا بقلبه، متعجبا هو من حضورهم، و يتعجبون هم من غيبته. فهذه ثمرة لباب الذكر، و إنما مبدؤها ذكر اللسان، ثم ذكر القلب تكلّفا، ثم ذكر القلب طبعا، ثم استيلاء المذكور و انمحاء الذكر، و هذا سرّ قوله صلى اللّه عليه و سلم: «من أحبّ أن يرتفع في رياض الجنة فليكثر ذكر اللّه عز و جل»، بل سرّ قوله:

«يفضل الذّكر الخفي على الذكر الذي تسمعه الحفظة سبعين ضعفا».

و اعلم أن كل ذكر يشعر به قلبك، تسمعه الحفظة، فإن شعورهم يقارن شعورك، و فيه سر، حتى إذا غاب ذكرك عن شعورك بذهابك في المذكور بالكلية، فيغيب ذكرك عن شعور الحفظة. و ما دام القلب يشعر بالذكر، و يلتفت إليه، فهو معرض عن اللّه عز و جل، و غير منفكّ عن شرك خفيّ حتى يصير مستغرقا بالواحد الحقّ؛ فذلك هو

اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست