اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 17
تشويش المبتدعة. و لا تنحل
عقيدة الاعتقاد إلى انشراح المعرفة، فإن أردت أن تستنشق شيئا من روائح المعرفة
صادفت منها مقدارا يسيرا مثبوتا في كتاب الصبر و الشكر، و كتاب المحبة و باب
التوحيد، من أول كتاب التوكل و جملة ذلك من كتاب الإحياء، و تصادف منها قدرا صالحا
يعرفك كيفية قرع باب المعرفة في كتاب المقصد الأقصى في معاني أسماء اللّه الحسنى،
لا سيما في الأسماء المشتقة من الأفعال. و إن أردت صريح المعرفة بحقائق هذه
العقيدة من غير مجمحة و لا مراقبة، فلا تصادفه إلا في بعض كتبنا المضنون بها على
غير أهلها، و إياك أن تغتر و تحدث نفسك بأهليته، فتشرئب لطلبه، فتستهدف للمشافهة
بصريح الرد؛ إلا أن تجمع ثلاث خصال: إحداها الاستقلال في العلوم الظاهرة و نيل
رتبة الإمامة فيها. و الثانية انقلاع القلب عن الدنيا بالكلية بعد محو الأخلاق
الذميمة، حتى لا يبقى فيك تعطش إلا إلى الحق، و لا اهتمام إلا به، و لا شغل إلا
فيه، و لا تعريج إلا عليه. و الثالثة أن يكون قد أتيح لك السعادة في أصل الفطرة،
بقريحة صافية، و فطنة بليغة، لا تكلّ عن درك غوامض العلوم و مشكلاتها على سبيل
البديهة و المبادرة؛ فإن البليد إذا أتعب خاطره و أكد نفسه، ربما أدرك بعض الغوامض
أيضا، و لكن يدرك منها شيئا يسيرا في مدة طويلة. فلن يصلح لاقتباس المعرفة
الحقيقية، إلا قلب صاف كأنه مرآة مجلوّة؛ و إنما يصير كذلك بقوة الفطرة و صحة
القصد، ثم بإزالة كدورات الدنيا عن وجهه، فإنه الرّين[1] و الطبع يمنع اللّه به القلوب عن معرفته. و
أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ
[الأنفال: 24].