اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 143
و الصدق الرابع: الوفاء
بالعزم؛ فإن النفس قد تسخو بالعزم أوّلا، و لكن عند الوفاء ربما تتوانى عن كمال
التحقيق؛ لأن المئونة في العزم هيّن، و إنما الشدة في التحقيق، و لذلك قال تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23]، و قال: وَ مِنْهُمْ مَنْ
عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ... [التوبة: 75] إلى قوله:
الصدق الخامس: في الأعمال؛
بأن يكون بحيث لا يدل على شيء من الباطن إلا و الباطن متصف به. و معناه استواء
السريرة و العلانية فالماشي على هدوء يدل بحكمه على أنه ذو وقار في باطنه، فإن لم
يكن كذلك في الباطن و التفت قلبه إلى أن يخيّل إلى الناس أنه ذو وقار في باطنه
فذلك الرياء. و إن لم يلتفت إلى الخلق قلبه، و لكنه غافل، فليس ذلك برياء، و لكن
يفوت به الصدق؛ و لذلك قال صلى اللّه عليه و سلم: «اللهم اجعل سريرتي خيرا من
علانيتي، و اجعل لي علانية صالحة». و قال عبد الواحد: كان الحسن البصري إذا أمر
بشيء كان من أعمل الناس به، و إذا نهى عن شيء كان من أترك الناس له، و لم أرقط
أحدا أشبه سريرته بعلانيته منه.
الصدق السادس:- و هو أعلى
أبوابه- الصدق في مقامات الدين؛ كالخوف و الرجاء و الحب و الرضاء و التوكل و
غيرها، فإن لهذه المقامات أوائل ينطلق الاسم بها، و لها حقائق و غايات؛ إذ يقال
هذا هو الخوف الصادق، و هي الشهوة الصادقة، و لذلك قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ
رَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا ... إلى قوله:
أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15]، و قال تعالى: وَ لكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ...
إلى قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ...
[البقرة: 177] الآية.
فهذه درجات الصدق، فمن
تحقق في جميعها فهو صدّيق، و من لم يصب بعضها فمرتبته بقدر صدقه. و من جملة الصدق
تحقيق القلب بأن اللّه هو الرزّاق و التوكل عليه! فلنذكره.
الأصل السابع في التوكّل:
قال اللّه تعالى: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [إبراهيم: 12]، و قال اللّه تعالى:
وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[المائدة: 23]. و قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُ
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 143