اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 142
عاهَدُوا اللَّهَ
عَلَيْهِ ... [الأحزاب: 23] الآية. و قال النبي عليه السلام: «إن الرجل ليصدق و
يتحرّى الصدق حتى يكتب عند اللّه صدّيقا». و قال اللّه تعالى: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً
نَبِيًّا [مريم: 41]. و يكفي بفضيلة الصدق أن يدرك به فضيلة الصّدّيقين.
و اعلم أن للصدق مراتب
ستّا من بلغ في جميعها رتبة الكمال استحق اسم الصّدق:
أولها: الصدق في القول في
جميع الأحوال، ما يتعلق بالماضي و المستقبل و الحال. و لهذا الصدق كمالان: أحدهما:
الحذر عن المعاريض أيضا، فإنه و إن كان صدقا في نفسه، فيفهم خلاف الحق. و المحذور
من الكذب تفهيم خلاف الحقّ، إذ يكتسب القلب صورة معوجّة كاذبة بإزاء كذب اللسان، و
إذا مال وجه القلب من الصحة إلى الاعوجاج لم يتجلّ الحق له على الصحة حتى لا يصدق
رؤياه أيضا.
و المعاريض لا توقع في هذا
المحذور لأنه صدق في نفسه، لكن توقع في المحذور، الثاني: و هو تجهيل المعنى، فلا
ينبغي أن يفعل ذلك إلا لغرض صحيح. و كمال الثاني، أن يرعى الصدق في أقاويله مع
اللّه تعالى، فإذا قال: «وجّهت وجهي»، و في قلبه في تلك الحالة شيء سوى اللّه عز
و جل، فهو كاذب، و إذا قال: «إياك نعبد»، و هو مع ذلك عبد للدنيا أو لنفسه أو لغيره
لم يمكنه تحقيق صدق هذه الكلمة في القيامة؛ و لذلك قال عيسى- عليه السلام- يا عبيد
الدنيا. و قال نبينا صلى اللّه عليه و سلم: «تعس عبد الدرهم و الدينار».
الصدق الثاني: في النية؛ و
هو أن يتمحض فيه داعية الخير، فإن كان فيه شوب فقد فات الصدق للّه؛ يقال هذا صادق
الحموضة، و صادق الحلاوة، إذا كان محضا، فيرجع هذا إلى نفس الإخلاص.
و الصدق الثالث: في العزم؛
فإن العبد قد يعزم على التصدّق إن رزق مالا، و على العدل إن رزق ولاية، و عزمه
تارة يكون مع ضعف و تردد، و تارة يكون جزما قويّا لا تردد فيه. فالجزم القويّ يسمى
قويّا صادقا، كما وجده عمر من نفسه- رضي اللّه عنه- حيث قال: لأن أقدّم فيضرب عنقي
أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قوم فيهم أبو بكر- رضي اللّه عنه-. و درجات عزم
الصديقين في القوة قد تتفاوت، و أقصاها أن ينتهي إلى الرضاء بضرب الرقبة دون
الحقيقة.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 142