اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 132
في ماله أو ولده، ثم
استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا، أو أنشر له ديوانا».
و قال عليه السلام: «انتظار الفرج بالصبر عبادة». و قال عليه السلام: «من إجلال
اللّه تعالى و معرفة حقه أن لا تشكو وجعك، و لا تذكر مصيبتك».
فقد عرفت أنك لا تستغني عن
الصبر في جميع أوقاتك، و به يظهر أنه شطر الإيمان؛ و شطره الآخر فيما يتعلق
بالأعمال و هو الشكر، فقد قال صلى اللّه عليه و سلم: «الإيمان نصفان: نصف صبر، و
نصف شكر». و هذا باعتبار النظر إلى الأعمال و التعبير بالإيمان عنها.
الأصل الخامس الشكر:
و قد قال اللّه تعالى: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ
[سبأ: 13] و قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
[إبراهيم: 7]، و قال: وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا
تَكْفُرُونِ [البقرة: 152]، و قال: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144]، و قال: ما يَفْعَلُ
اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ
[النساء: 147]. و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «للطاعم الشاكر منزلة الصائم
الصابر عند اللّه». و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبكي في تهجده، فقالت
عائشة- رضي اللّه عنها- و ما يبكيك؟ و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما
تأخر. فقال- عليه السلام-: «أ فلا أكون عبدا شكورا؟»، و قال: «ينادى يوم القيامة
ليقم الحامدون، فيقوم زمرة فينصب لهم لواء فيدخلون الجنّة»، فقيل و من الحامدون؟
قال: «الذين يشكرون اللّه على كل حال». و قال: «الحمد رداء الرحمن».
[فصل فى مقام الشكر]
اعلم أن الشكر من المقامات
العالية، و هو أعلى من الصبر و الخوف و الزهد و جميع المقامات التي سبق ذكرها،
لأنها ليست مقصودة في أنفسها، و إنما تراد لغيرها.
فالصبر يراد منه قهر
الهوى، و الخوف سوط يسوق الخائف إلى المقامات المقصودة المحمودة، و الزهد هرب من
العلائق الشاغلة عن اللّه تعالى، و أما الشكر فمقصود في نفسه و لذلك لا ينقطع في
الجنة، و ليس فيها توبة و لا خوف و لا صبر و لا زهد. و الشكر دائم في الجنة، و
لذلك قال اللّه تعالى: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: 10]. و
تعرف ذلك بأن تعرف حقيقة الشكر، و أنه ينتظم من علم و حال و عمل:
أما العلم، فالعلم بالنعمة
و المنعم، بأن النّعم كلها من اللّه تعالى، و هو المنفرد بجميعها. و الوسائط كلّهم
مسخرون مقهورون. و هذه المعرفة وراء التقديس و التوحيد،
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 132