اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 130
أعز أولاد الملك و سلمه
إلى أخس أعدائه حتى استرقه و استسخره، ففي مثل حاله يكون قدوم هذا الغافل المنهمك
على اللّه تعالى. نعوذ باللّه منه.
الدرجة الوسطى: أن لا يفتر
على المحاربة، و لكن يكون الحرب بينهما سجالا، تارة له اليد، و تارة عليه اليد؛ و
هذا من المجاهدين الذين خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ
آخَرَ سَيِّئاً ... [التوبة: 102] الآية. و علامة هذا أن
يترك من الشهوات ما هو أضعف، و يعجز عما هو أغلب؛ و ربما يغلبها في بعض الأوقات
دون بعض، و هو في جميع الأحوال متحسر على عجزه، و مستمر المعاودة إلى مجاهدته و
قتاله، و ذلك هو الجهاد الأكبر. و مهما اتقى و صدّق بالحسنى فسنيسّره لليسرى. و
بالجملة فقد قصر عن البهيمة إنسيّ لم يقاوم بقوة عقله شهوته و قد أيد بالعقل و حرم
عنه البهيمة، و لذلك قال اللّه تعالى:
اعلم أن الحاجة إلى الصبر
عامة في جميع الأحوال، لأن جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين:
فإنه إمّا أن يوافق هواه أو يخالفه. فإن وافق هواه كالصحّة و السّلامة و الثروة و
الجاه و كثرة العشيرة، فما أحوجه إلى الصبر معها، فإنه إن لم يضبط نفسه طغى و
استرسل في التنعم و اتباع الهوى، و نسي المبتدى و المنتهى؛ و لذلك قالت الصحابة-
رضوان اللّه عليهم أجمعين- بلينا بفتنة الضرّاء فصبرنا، و بلينا بفتنة السرّاء فلم
نصبر؛ و لذلك قيل: يصبر على البلاء كلّ مؤمن، و لا يصبر على العافية إلا صدّيق.
و معنى الصبر فيها، أن لا
يركن إليها، و يعلم أن كل ذلك وديعة عنده، و يسترجع على القرب، و أن لا ينهمك في
الغفلة و التنعّم، و يؤدي حق شكر النعمة، و ذلك مما يطول شرحه.
النوع الثاني: ما يخالف
الهوى، و ذلك أربعة أقسام:
القسم الأول الطاعات: و
النفس تنفر عن بعضها بمجرّد الكسل كالصلاة، و عن بعضها بالبخل كالزكاة، و عن بعضها
بهما جميعا كالحج و الجهاد، و الصبر على الطاعة
[1] نصّ الآية 179 من
سورة الأعراف: أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ. و نص الآية 44 من سورة الفرقان:
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
اسم الکتاب : الأربعين في اصول الدين المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 130