ثم يوجد، و هذا وجوب سابق، و بعد ما وجد يمتنع عدمه ضرورة امتناع
اجتماع[1]الوجود و العدم و هذا وجوب لاحق يسمى بالضرورة، بشرط المحمول.
فإن قيل: سبق الوجوب على الوجود غير معقول، أما الزمان فظاهر، و أما
بالذات بمعنى الاحتياج إليه، فلأنه أما أن يراد الاحتياج في الوجود العيني و هو
باطل، لأن الوجوب و الوجود، ليسا أمرين متميزين في الخارج، يتوقف أحدهما على
الآخر، و لو كان فالوجوب صفة للوجود، فيكون متأخرا عنه[2]لا متقدما، أو في الوجود الذهني، و هو أيضا باطل. لظهور أنه لا يتوقف
تعقل الوجود على تعقل الوجوب، بل ربما يكون بالعكس.
قلنا: المراد السبق بمعنى الاحتياج في اعتبار العقل عند ملاحظة هذه
المعاني، و اعتبار الترتيب فيما بينهما، فإنه يحكم قطعا بأنه ما لم يتحقق علة
الممكن لم يجب هو و ما لم يجب لم يوجد.
فإن قيل: حكم العقل بهذا الترتيب باطل، لأنه لا وجوب بالنسبة إلى
العلة الناقصة، بل التامة. و الوجوب إذا[3]كان مما يتوقف عليه الوجود كان جزءا من العلة التامة، فيكون متقدما
عليها لا متأخرا.
قلنا: جزء العلة التامة، ما يتوقف عليه المعلول في الخارج لا في
اعتبار العقل، و لو سلم فالوجوب يعتبر بالنسبة إلى علة ناقصة، من هي[4]جميع ما يتوقف عليه الوجود سوى الوجوب.
فإن قيل: ما ذكرتم من كون وجود الممكن مسبوقا بالوجوب لا يصح فيما
يصدر[5]عن الفاعل بالاختيار، لأن الوجوب ينافي الاختيار، و حينئذ ينتقض
دليلكم.