فلا نسلم استحالة كون النقيضين عدميين. كيف و هو واقع كالامتناع و
اللاامتناع، و العمى و اللاعمى، و ما ذكر من أنه ارتفاع النقيضين ممنوع، بل معنى
ارتفاع النقيضين في المفردات، أن لا يصدقا على شيء حتى لو لم يصدق الوجوب و
اللاوجوب على شيء، بل كانا مسلوبين[1]عنه،
كان ذلك ارتفاعا للنقيضين، و ليس معناه خلو النقيضين عن الوجوب و الثبوت في
نفسهما، بأن يكون الامتناع معدوما، و كذا اللاامتناع لصدقه على المعدوم الممكن،
فإن[2]استحالة ذلك ممنوعة، نعم[3]ارتفاع
النقيضين في القضايا هو أن لا تصدق القضيتان المتناقضتان في أنفسها، و لا يثبت
مدلولاهما بأن يكذب قولنا، هذه ممكن، و هذا ليس بممكن، و هذا كسائر النسب من
المساواة و العموم و الخصوص، و المباينة، فإنها في المفردات، تكون باعتبار صدقها
على الشيء. و في القضايا باعتبار صدقها في نفسها، و ثبوت مدلولاتها مثلا.
إذا قلنا الإنسان أخص من الحيوان، فمعناه أن كل ما صدق عليه الإنسان
صدق عليه الحيوان من غير عكس.
و إذ قلنا: الضرورية أخص من الدائمة، فمعناه أنه كلما صدقت الضرورية
في نفس الأمر، صدقت الدائمة من غير عكس. بمعنى أن كل موضوع و محمول يصدق بينهما
الإيجاب الضروري[4]، يصدق بينهما الإيجاب
الدائمي، و ليس كل موضوع و محمول يصدق بينهما الإيجاب الدائمي، يصدق بينهما
الإيجاب الضروري.
الثالث:لو كان الوجوب و الإمكان عدميين لا تحقق لهما إلا بحسب العقل، لزم أن
لا يكون الواجب واجبا، و الممكن ممكنا. لا عند فرض العقل، و اعتباره وصفي الوجود و
الإمكان، لأن ما لا تحقق له إلا باعتبار العقل لا يقع وصفا للشيء[5]إلا باعتباره، و اللازم باطل للقطع بأن الواجب واجب،