من جهة استلزامه كون التعقل بحصول الصورة، لا من جهة استلزامه أن
للمعقولات نوعا من التمييز غير التميز بالهوية الخارجية سواء اخترعه العقل أو
لاحظه[1]من محل آخر، لأن اقتضاء التميز الثبوت في العقل أول المسألة)[2].
كون العلم سيما العلم بما لا تحقق له في الأعيان مقتضيا لثبوت أمر في
الذهن ظاهر يجري مجرى الضروريات، فمن هنا زعم بعضهم أن إنكار الوجود الذهنى إنكار
للأمر الضروري و استدل المثبتون بوجوه.
الأول:أنا نحكم حكما إيجابيا على ما لا تحقق له في الخارج أصلا، كقولنا:
اجتماع النقيضين مستلزم لكل منهما، و مغاير لاجتماع الضدين، و نحو ذلك. و معنى
الإيجاب الحكم بثبوت أمر لأمر، و ثبوت الشيء لما لا ثبوت له في نفسه بديهي
الاستحالة، فيلزم ثبوت الممتنعات، لتصح هذه الأحكام، و إذ ليس في الخارج نفي
الذهن. و تقرير آخر أن من الموجبات ما لا تحقق[3]لموضوعه في الخارج. و الموجبة تستدعي وجود الموضوع في الجملة فيكون
في الذهن.
و ما يقال إنا نحكم على الممتنعات بأحكام ثبوتية، فمعناه أحكام
إيجابية فلا يرد عليه: أنه إن أريد الثبوت في الخارج فمحال أو في الذهن فمصادرة[4]على أنه يجوز أن يقال المراد الثبوت في الجملة و كونه منحصرا في
الخارجي و الذهني لا يستلزم أن يراد أحدهما ليلزم المحال و المصادرة.
[2]ففي الاستلزام بذلك الوجه مصادرة إذ
كأنه قيل تميز المعقولات تقتضي وجودها في الذهن لأن تميزها يقتضي وجودها و لا يخفى
فساده، و هذا رد على صاحب المواقف.
[4]المصادرة: عند أهل النظر يطلق على
قسم من الخطأ في البرهان. خطأ مادته من جهة المعنى.
و هي جعل النتيجة مقدمة من مقدمتي البرهان بتغييرها، و إنما اعتبر
التغيير بوجه ما ليقع الالتباس.
كقولنا هذه نقلة، و كل نقلة حركه فهذه حركة فالصغرى هاهنا عين
النتيجة، و منهم من يجعل المصادرة من قبيل الخطأ من جهة الصورة قائلا بأن الخطأ في
الصورة إما بحسب نسبة بعض المقدمات إلى بعض و هو أن لا يكون على هيئة شكل منتج، و
إما بحسب نسبة المقدمات إلى النتيجة بأن لا يكون اللازم قولا غير المقدمات و هو
المصادرة على المطلوب.