القائلون بأن النظر الصحيح المقرون بشرائطه يستلزم العلم، اختلفوا في
أن النظر الفاسد[1]قد يستلزم الجهل، أي الاعتقاد الغير المطابق. فقال الإمام:
يستلزمه لأن من اعتقد أن العالم قديم، و كل قديم مستغن عن المؤثر
استحال أن لا يعتقد أن العالم غني عن المؤثر.
و قيل: إن كان الفساد مقصورا على المادة يستلزمه و إلا فلا.
أما الأول: فلأن لزوم النتيجة للقياس المشتمل على الشرائط ضروري
ابتداء أو انتهاء، سواء كانت المقدمات صادقة أو كاذبة، كما في المثال المذكور.
و أما الثاني: فلأن معنى فساد الصورة أنه ليس من الضروب التي تلزمها
النتيجة، و الصحيح أنه لا يستلزم الجهل على التقديرين، أما عند فساد الصورة فظاهر
كما مر[2]و أما عند فساد المادة فقط بأن تكون الصورة من الضروب المنتجة[3]فلأن اللازم من الكاذب قد لا يكون كاذبا كما إذا اعتقد أن العالم أثر
الموجب بالذات، و كل ما هو أثر الموجب بالذات فهو حادث، فإنه يستلزم أن العالم
حادث. و هو حق مع كذب القياس بمقدمتيه، نعم قد يفيد الجهل كما إذا اعتقد أن العالم
قديم[4]و كل قديم مستغن عن المؤثر.
و التحقيق: أنه لا نزاع في أن الفاسد صورة لا يستلزم بالاتفاق، و
الفاسد مادة فقط قد يستلزم. و قد لا يستلزم فمراد الإمام الإيجاب الجزئي كما في
المثال المذكور.
[4]القديم في اللغة: ما مضى على وجوده
زمان طويل، و يطلق في الفلسفة العربية على الموجود الذي ليس لوجوده ابتداء و
يرادفه الأول. قال ابن سينا: و يقال قديم الشيء إما بحسب ذاته و إما بحسب الزمان.
فالقديم بحسب الذات هو الذي ليس لذاته مبدأ هي به موجوده. و القديم بحسب الزمان هو
الذي لا أول لزمانه (النجاة 355).