باختصاصه بل على الاختصاص نفسه، فإن الذهن ينتقل من تصور الملزوم إلى
تصور لازمه الذهني، و إن لم يتقدم العلم باللزوم، و لو سلم فيكفي في ذلك تصور
الشيء بوجه، و تصور ما عداه إجمالا، كما في اختصاص الجسم بهذا الحيز، و إن كان
مبنيا على امتناع كونه في حيزين، و اشتغال حيز بمتحيزين، و إلى هذا التسليم نظر من
قال: الوصف الصالح لتعريف الشيء يجب أن يكون لازما بين الثبوت لافراده، و بين
الانتفاء عن جميع ما عداه، و ينبغي أن يعلم أنه و إن كان لازما بحسب الصدق لكن لا
بدّ[1] أن يكون ملزوما بحسب التصور، و أجاب
بعض المحققين عن الأول بمنع كون جميع أجزاء الماهية نفسها، بل جزم بأنه[2] باطل تمسكا بأن الأشياء التي كل واحد
منها متقدم على الشيء يمتنع أن يكون نفس المتأخر.
ثم قال: و يجوز أن يصير
عند الاجتماع ماهيته هي المتأخرة، فتحصل معرفتها بها، كما أن العلم بالجنس[3] و الفصل[4] و بالتركيب التقيدي متقدم على العلم بالجنس المقيد بالفصل، و هي
أجزاؤه، و بها يحصل العلم به، ورد المنع تارة بدعوى الضرورة، و تارة بالاستدلال،
بأن جميع أجزاء الشيء إن لم تكن نفسه فإما تكون خارجة عنه و هو ظاهر البطلان أو
داخلة فيه فتركب الشيء منها و من غيرها، فلا تكون هي جميع الأجزاء بل بعضها، و
أيضا لو كان الشيء
[1] سقط من (ب) حرف(لكن).
[2] في (ب) بزيادة(غيرها).
[3] الجنس في اللغة:الضرب من كل شيء و هو أعم من النوع: يقال: الحيوان جنس و الإنسان نوع.قال ابن سينا: الجنس هوالمقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أي بالصور، و الحقائق الذاتية، و هذا يخرج النوعو الخاصة و الفصل و القريب.
[4] الفصل: للفصل عندالمنطقيين معنيان، أحدهما: ما يتميز به شيء عن شيء ذاتيا كان أو عرضيا لازما أومفارقا، شخصيا أو كليا، و ثانيهما: ما يتميز به الشيء في ذاته، و هو الجزء الداخلفي الماهية كالناطق مثلا فهو داخل في ماهية الإنسان، و مقوم لها و يسمى بالفصلالمقوم. و هذا المعنى الثاني هو الذي أشار إليه ابن سينا في قوله: «و أما الفصلفهو الكلي الذاتي الذي يقال على نوع تحت جنس في جواب أي شيء هو منه، كالناطقللإنسان فإنه يجاب حين يسأل أي حيوان هو ..؟».