اسم الکتاب : الإقبال بالأعمال الحسنة - ط الحديثة المؤلف : السيد بن طاووس الجزء : 3 صفحة : 59
عرفوا انه قد غضب لأجل ما انتهت الحال إليه، فدعاهم القوم إلى ترك
القتال و العدول عن الضلال، و حذّروهم من عذاب الدّنيا و الآخرة، و ذكّروهم ما
للّه جلّ جلاله عليهم بمحمّد رسوله صلوات اللّه عليه من الحقوق الباهرة.
فبدءوا بقتل القوم الذين
غضبوا للّه و اتّفقوا على هدم أركان الملّة، فلم يبق ملك و لا رسول و لا عبد له
عند اللّه مقام و قبول الّا و غضبوا مع اللّه جلّ جلاله لتلك الحال، و استعظموا ما
بلغ إليه الأمر من الأهوال، و وقفوا على طريق الشهادة و القبول، يتلقّون روح نائب
اللّه جلّ جلاله و ابن الرّسول، و حضرت روح محمّد و روح علي و فاطمة البتول و روح
ابنها الحسن المسموم المقتول، يشاهد ما يجري على مهجة فؤادهم و قطعة أكبادهم،
يندبون بلسان حالهم و يستغيثون لقتالهم.
و كلّما رفع رأس من رءوس
أهل الشهادة كشف بلسان الحال لتلك الرءوس رءوس أهل السعادة مواساة في البلاء في
مجلس العزاء، و كلّما مزّقت ثياب أهل الجهاد مزّقت ثياب الإباء و الأجداد، و كلّما
رمّل[1] وجه من تلك الوجوه العزيزة
بالرمال رمّلت لذلك وجوه أهل الإقبال، و كلّما هتكت حرمة اللّه و الرسول بكى لسان
حال الإسلام و ذوي العقول.
حتّى فزع أهل الضلال من
قتل الأحبّة و الملوك، الّذين فرّجوا عنهم و عن سلفهم كلّ كربة، و قصدوا لقتل
ذريّة محمّد صلوات اللّه عليه و أولاده، فخرجوا إليهم صلوات اللّه عليهم، مشتاقين
إلى لقاء اللّه جلّ جلاله و ما دعاهم إليه من جهاده و اتّباع مراده، فحاموا عن
دينه الّذي شرع أهل الضلال في زواله، و بذلوا نفوسهم في حفظ ناموسه و إقباله، و
استبدلوا دوام السعادة و البقاء بقتال أهل الشقاء.
حتّى قتل المجاهدون من
الأكابر و الأصاغر، و ارتجّت فيها السماوات و الأرضون لذلك الضلال الحاضر، فبقي
مولانا الحسين صلوات اللّه عليه و الحرم و الأطفال الّذين بين يديه، فلم ينظروا
الّا لتلك الوحدة و الكسرة و نفوس من بقي من العترة، و أقبلوا