اسم الکتاب : الأربعين في أصول الدين المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 237
و لو اراد أن يدفع ذلك
الخيال، عجز عنه. و هذا يدل على أن الحس قد يتأثر عن المحسوس.
الثانى: ان من نظر الى روضة خضراء نظرا بالاستقصاء الشديد زمانا له قدر، ثم
حول حدقته الى شيء آخر أبيض اللون، فانه لا يراه أبيض اللون، بل يرى لونه ممزوجا
من البياض و الخضرة. و ما ذلك الا لأن أثر الخضرة بقى فى حدقته. فلما حول الحدقة
الى الشيء الأبيض، امتزجت الخضرة الباقية فى حدقته بذلك البياض، فأحس بذلك اللون
على وصف الامتزاج.
الثالث: ان من نظر الى المضىء القوى ارتدت حدقته[1] الباصرة مقهورة. و هذا يدل على أن الحس يقبل الأثر من المحسوس.
اذا ثبت هذا فنقول: لم لا
يجوز أن يكون التفاوت الحاصل بين ما اذا نظرنا الى الشيء، و بين ما اذا غمضنا
العين، هو كون الحس متأثرا عن المحسوس. و على هذا التقدير وجب أن يمتنع الابصار[2] على الله تعالى، لأن الابصار لما كان
عبارة عن هذا التأثر[3]
و هذا التأثر من صفات الأجسام. و الله تعالى ليس بجسم، وجب أن يكون الابصار ممتنعا
على الله تعالى.
أجاب المتكلمون عنه: بأن الابصار ليس معناه هذا التأثر فقط.
و ذلك لأنا اذا فتحنا
العين رأينا نصف كرة العالم دفعة واحدة. و حصول هذه الصورة العظيمة فى الجسم
الصغير محال. و من المعلوم أن موضع التأثر ليس الا نقطة الناظر، فعلمنا: أن
الابصار حالة مغايرة للعلم، و مغايرة أيضا لتأثير الحس.