اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 35
و إن أراد الخصم أنه ليس بمعقول، أي ليس بمعلوم بدليل
العقل فهو محال إذا قدمنا الدليل على ثبوته و لا معنى للمعقول إلّا ما اضطر العقل إلى
الإذعان للتصديق به بموجب الدليل الذي لا يمكن مخالفته. و قد تحقق هذا، فإن قال الخصم
فما لا يتصور في الخيال لا وجود له، فلنحكم بأن الخيال لا وجود له في نفسه، فان الخيال
نفسه لا يدخل في الخيال و الرؤية لا تدخل في الخيال و كذلك العلم و القدرة، و كذلك
الصوت و الرائحة و لو كلف الوهم أن يتحقق ذاتا للصوت لقدر له لونا و مقدارا و تصوره
كذلك.
و هكذا جميع أحوال النفس، من الخجل و الوجل و الفسق و
الغضب و الفرح و الحزن و العجب، فمن يدرك بالضرورة هذه الأحوال من نفسه و يسوم خياله
أن يتحقق ذات هذه الأحوال فنجده يقصر عنه إلا بتقدير خطأ ثم ينكر بعد ذلك وجود موجود
لا يدخل في خياله فهذا سبيل كشف الغطاء عن المسألة. و قد جاوزنا حد الاختصار و لكن
المعتقدات المختصرة في هذا الفن أراها مشتملة على الاطناب في الواضحات و الشروع في
الزيادات الخارجة عن المهمات مع التساهل في مضايق الاشكالات فرأيت نقل الاطناب من مكان
الوضوح، إلى مواقع الغموض أهم و أولى.
(الدعوى الثامنة):
ندعي أن اللّه تعالى منزه عن أن يوصف بالاستقرار على العرش،
فإن كل متمكن على جسم و مستقر عليه مقدر لا محالة فانه أما أن يكون أكبر منه أو أصغر
أو مساويا و كل ذلك لا يخلو عن التقدير، و أنه لو جاز أن يماسه جسم من هذه الجهة لجاز
أن يماسه من سائر الجهات فيصير محاطا به و الخصم لا يعتقد ذلك بحال و هو لازم على مذهبه
بالضرورة، و على الجملة لا يستقر على الجسم إلّا جسم و لا يحل فيه إلا عرض و قد بان
أنه تعالى ليس بجسم و لا عرض، فلا يحتاج إلى إقران هذه الدعوى بإقامة البرهان.
فإن قيل فما معنى قوله تعالى: (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوى) [1]؟ و ما معنى