اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 129
رسولنا عليه السلام مصدقا بموسى عليه السلام و حاكما على
اليهود بالتوراة في حكم الرجم و غيره، فلا عرض عليه من التوراة ذلك، و ما الذي صرفهم
عنه و معلوم قطعا أن اليهود لم يحتجوا به لأن ذلك لو كان لكان مفحما لا جواب عنه و
لتواتر نقله، و معلوم أنهم لم يتركوه مع القدرة عليه و لقد كانوا يحرصون على الطعن
في شرعه بكل ممكن حماية لدمائهم و أموالهم و نسائهم، فإذا ثبت عليهم نبوة عيسى أثبتنا
نبوة نبينا عليه السلام بما نثبتها على النصارى.
الفرقة الثالثة، و هم يجوزون النسخ و لكنهم ينكرون نبوة
نبينا من حيث أنهم ينكرون معجزته في القرآن
، و في إثبات نبوته بالمعجزة طريقتان:
الطريقة الأولى، التمسك بالقرآن.
فإنا نقول: لا معنى للمعجزة إلا ما يقترن بتحدّي النبيّ
عند استشهاده على صدقه على وجه يعجز الخلق عن معارضته، و تحديه على العرب مع شغفهم
بالفصاحة و اغراقهم فيها متواتر، و عدم المعارضة معلوم، إذ لو كان لظهر، فإن أرذل الشعراء
لما تحدوا بشعرهم و عورضوا ظهرت المعارضات و المناقضات الجارية بينهم، فاذا لا يمكن
إنكار تحديه بالقرآن و لا يمكن إنكار اقتدار العرب على طريق الفصاحة و لا يمكن انكار
حرصهم على دفع نبوته بكل ممكن حماية لدينهم و دمهم و مالهم و تخلصا من سطوة المسلمين
و قهرهم، و لا يمكن إنكار عجزهم لأنهم لو قدروا لفعلوا، فان العادة قاضية بالضرورة
بأن القادر على دفع الهلاك عن نفسه يشتغل بدفعه، و لو فعلوا لظهر ذلك و نقل، فهذه مقدمات
بعضها بالتواتر و بعضها بجاري العادات و كل ذلك مما يورث اليقين فلا حاجة إلى التطويل،
و بمثل هذا الطريق تثبت نبوة عيسى و لا يقدر النصراني على إنكار شيء من ذلك؛ فانه
يمكن أن يقابل بعيسى فينكر تحديه بالنبوة او استشهاده باحياء الموتى أو وجود إحياء
الموتى أو عدم المعارضة أو يقال عورض و لم يظهر، و كل ذلك مجاحدات لا يقدر عليها المعترف
بأصل النبوات. فإن قيل: ما وجه إعجاز القرآن؟ قلنا الجزالة و الفصاحة مع النظم
اسم الکتاب : الاقتصاد في الاعتقاد المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 129