أجمع
أكثر أصحابنا، و المعتزلة، و كثير من أهل الحق من المسلمين، [2] على أن النظر [2] المؤدى
إلى معرفة الله- تعالى- واجب.
غير
أن مدرك وجوبه عندنا: الشرع. خلافا للمعتزلة في قولهم: إن مدرك وجوبه:
العقل،
دون الشرع.
و
قد احتج أصحابنا على وجوبه من جهة الشرع بمسلكين:
المسلك
الأول: التمسك/ بظواهر النّصوص الدّالة على وجوب النظر.
منها
قوله- تعالى-: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [3].
و
منها قوله- تعالى-: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِها [4].
أمر
بالنظر، و الأمر ظاهر في الوجوب.
و
أيضا: لما نزل قوله- تعالى-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [5]، قال النبي- صلى اللّه عليه
و سلم- «ويل لمن لاكها بين لحييه و لم يتفكّر [6] فيها» تواعد بترك الفكر و النظر فيها؛
و هو دليل الوجوب. إلى غير ذلك من الأدلّة. و موضع معرفته: أن صيغة افعل: للأمر، و
أنّ الأمر للوجوب؛ فلا يفي بأصول الفقه. و على كل تقدير؛ فهى غير خارجة عن الحجج الظاهرية،
و الأدلة الظنية.
[1]
انظر المغنى ج 12 ص 347- 533 و شرح الأصول الخمسة ص 66- 70 و المحيط بالتكليف ص
26- 32 للقاضى عبد الجبار. و انظر أصول الدين ص 31- 32 للبغدادى. و الشامل ص 115،
120 و الإرشاد ص 8- 11 للجوينى و المحصّل ص 28 للرازى. و شرح الطوالع للأصفهانى ص
33- 35 ثم قارن بشرح المواقف ص 111- 123 للجرجانى و شرح المقاصد ص 33 للتفتازانى. [2]
في ب (ان اللفظ). [3]
سورة يونس 10/ 101. [4]
سورة الروم 30/ 50. [5]
سورة آل عمران 3/ 190. [6]
روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه
و سلم قام يصلى، فآتاه بلال يؤذنه بالصلاة فرآه يبكى. فقال: يا رسول الله: أ تبكي و
قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر. فقال: يا بلال: أ
فلا أكون عبدا شكورا. و لقد أنزل الله عليّ الليلة آية: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ.)
ثم قال: «ويل لمن قرأها، و لم يتفكر فيها» [تفسير القرطبى 4/ 310].
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 155