و
قد اتفق العقلاء على امتناع وجود علم لا معلوم/ له
و
خالفهم أبو هاشم [2]: فى العلم المتعلّق بالمستحيلات؛ طردا لتحديد الشيء بأنه المعلوم،
فقال: العلم بامتناع اجتماع الضّدين، [3] و انتفاء شريك الإله [3]- تعالى-، و امتناع
كون الجزء مساويا للكل، و نحو ذلك؛ علم لا معلوم له. مع موافقته على تعلق العلم بالمستحيلات،
و كوننا عالمين بها. فقد وافق في المعنى، و خالف في اللفظ؛ فإنّه لا معنى لكونها معلومة
غير تعلّق العلم بها. و إلا فكيف يتصوّر وجود علم لا معلوم له؟ مع أن العلم و المعلوم
من قبيل المتضايفين اللذين لا تعقّل لكل واحد منهما إلا مع تعقّل الآخر.
و
لو ساغ ذلك؛ لساغ القول بوجود معلوم بلا علم و لا عالم، و وجود علم و لا عالم، و ذكر
و لا مذكور، و قدرة و لا مقدور، إلى غير ذلك؛ و لم يقل به قائل. و كل ما يتخيل في منع
الانفكاك في هذه الصور؛ فهو لازم فيما نحن فيه.
و
قد قيل في إبطاله أيضا: أنّ العلم باستحالة اجتماع الضدين؛ علم بالضدين؛ و هما معلومان.
و العلم باستحالة وجود شريك البارى- تعالى- علم بوجود البارى؛ و هو معلوم. و كذا العلم
بكل استحالة لا بدّ و أن يكون العلم فيها متعلقا بمعلوم؛ فإطلاق القول بأنّ علما لا
معلوم له محال؛ لكنه [4] مبنى على القول بأن كلّ أمرين لا يتصور [5] العلم بأحدهما
[6]، مع الجهل بالآخر؛ فالعلم بهما واحد؛ و قد عرف [7] ما فيه.
ثم
لو قال أبو هاشم: المراد بهذا الإطلاق: أنّه ليس كل ما تعلق به العلم يكون معلوما،
كالاستحالة لا غيرها؛ لاندفعت هذه المؤاخذة اللفظية.
[1]
انظر المحصل للرازى ص 71- 72. و المواقف للإيجي ص 147، 148. [2]
عبد السّلام بن محمد بن عبد الوهّاب الجبائى (أبو هاشم) من شيوخ المعتزلة و إليه تنسب
الطائفة (البهشمية)، له آراء انفرد بها، و له مصنفات في الاعتزال، و كان أبوه شيخا
للجبائية التى نسبت إليه. ولد ببغداد سنة 247 ه و توفى بها سنة 321 ه. (وفيات الأعيان
2: 53، الأعلام 4: 130). [3]
فى ب (و الشريك لله). [4]
فى ب (و لكنه). [5]
فى ب (يتصور). [6]
فى ب (بآخر). [7]
فى ب (عرفت). انظر ل 10/ ب.
اسم الکتاب : أبكار الأفكار في أصول الدين المؤلف : الآمدي، سيف الدين الجزء : 1 صفحة : 107