ولكنه لم يبرزه بمبرز في الخارج من تصريح أو فحوى ونحوهما حكم بحرمة
التصرّف في ماله؟ مقتضى ما جرت عليه سيرة العقلاء والمتشرعة إنما هو
الأوّل، ومن هنا تراهم يتصرفون في أموال غيرهم من كتاب أو لحاف أو عباء عند
العلم برضى مالكه وإن لم يبرز رضاه في الخارج بشيء. وتدل عليه صريحاً
موثقة سماعة«لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفس منه»{1}حيث علقت الجواز على طيبة النفس لا على الاذن والإبراز.
نعم، ورد في التوقيع الخارج إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري(قدس
اللََّه روحه)قوله(عليه السلام)«فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير
إذنه»{2}و هو كما ترى قد علّق الجواز على إذن المالك وإبراز رضائه في الخارج.
و لكن الصحيح هو الأوّل كما مرّ، وذلك لأن الرواية الثانية ضعيفة السند
فإنها قد رويت في الاحتجاج عن أبي الحسين محمد بن جعفر وهو منقطع السند،
ورويت أيضاً عن مشايخ الصدوق(قدس سره)كعلي بن أحمد بن محمد الدقاق وعلي بن
عبد اللََّه الوراق وغيرهما ولكنهم لم يوثقوا في الرِّجال، وليس في حقِّهم
غير أنهم من مشايخ الإجازة للصدوق(قدس سره)و أنه قد ترضّى وترحّم على
مشايخه في كلامه وشيء من ذلك لا يدل على توثيقهم، لوضوح أن مجرّد كونهم
مشيخة الإجازة غير كاف في التوثيق لعدم دلالته على الوثاقة بوجه، كما أن
ترحّمه وترضّاه(قدس سره)كذلك فإن الإمام(عليه السلام)قد يترحّم على شيعته
ومحبيه ولا يدل ذلك على وثاقة شيعته، فكيف بترحّم الصدوق(قدس سره)هذا
أوّلاً.
و ثانياً: أن الجمع العرفي بين الروايتين يقتضي حمل الاذن في الرواية
الثانية على كونه كاشفاً عن الطيب النفساني والرضا القلبي من دون أن تكون
له خصوصية في ذلك، ومع إمكان الجمع العرفي بين الروايتين لا تكون الرواية
مخالفة لما ذكرناه.