بذلك وشرحناه ، ونزل المسلمون حوله ، وكان يوماً قائظاً شديد الحر ، فأمر (عليه السلام) بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرجال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة ، فاجتمعوا من رحالهم إليه ، وإنّ أكثرهم ليلفّ رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء ، فلمّا اجتمعوا صعد (عليه وآله السلام) على تلك الرحال حتّى صار في ذروتها ، ودعا أمير المؤمنين (عليه السلام) فرقى معه حتّى قام عن يمينه ، ثمّ خطب للناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ فأبلغ في الموعظة ، ونعى إلى الأُمّة نفسه ، فقال (عليه وآله السلام) : «إنّي قد دعيت ويوشك أن أُجيب ، وقد حان منّي خفوف من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض» .
ثمّ نادى بأعلى صوته : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟» فقالوا : اللّهم بلى ، فقال لهم على النسق ، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (عليه السلام) فرفعهما حتّى رئي بياض أُبطيهما ، وقال : «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله . . .»[1] .
ورواه الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ ) في إعلام الورى[2] ، والأربلي (ت ٦٩٣ هـ ) في كشف الغمّة[3] ، والعلاّمة (ت ٧٢٦ هـ ) في كشف اليقين[4].
[1] الذريعة ١٩ : ٣٦٧ ]١٦٤٠[ ، وانظر : فهرست التراث ١ : ٤٧١ ، وما ذكره العلاّمة عبد العزيز الطباطبائي في مقالته حول مصنّفات الشيخ المفيد المنشورة ضمن مقالات مؤتمر الشيخ المفيد ، رقم (١) ، صفحة ٢١٥ .
[2] إرشاد المفيد (مصنّفات الشيخ المفيد ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى الألفيّة لوفاة الشيخ المفيد ، مجلّد ١١) ١ : ١٧٤ ، وعنه في غاية المرام ٢ : ٣٥٣ ح٤٧ ، الباب (٢٩) ، والبحار ٢١ : ٣٨٢ ح١٠ .
[3] راجع ما سنذكره عن إعلام الورى للطبرسي ، الحديث الأوّل .
[4] راجع ما سنذكر عن كشف الغمّة للأربلي الحديث الثامن .