ونؤمن ثالثاً: بأنّ الأنبياء(عليهم السلام) لم يكن فيهم من ادّعى لنفسه الإتيان بمعجزته من صنعه وبقدرته، بل كانوا يقولون إنّها من عند الله سبحانه وتعالى: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)[2] .
فإذاً نحن آمَنّا بأنّ الله تعالى هو الخالق والمقدّر، فهو القادر على تغيير ناموس ذلك النظام الذي أتقن صنعه، فيغيّره بقدرته آناً مّا استجابة لدعوة نبي من أنبيائه(عليهم السلام)، عند طلبه ذلك التغيير لمصلحة يراها، إتماماً للحجة على العباد، فأيّ محذور عقلي، أو أيّ تناقض، أو اختلال في سنن الطبيعة التي أتقن صنعها لو استجاب لدعائه نصرةً لأنبيائه ؟ دون أن يلحق بالكون الفساد .
نعم إنّما يكون ذلك التغيير الآني هو خرقاً لما هو مألوف عند الناس عادة، ولله خرق العادات، وهل إظهار المعجزة إلا خرق آني للنواميس الطبيعيّة المألوفة؟
ولما كانت الخوارق لسنن الطبيعة التي حدثت في الكون منذ تكوينه لا يمكن حصرها، ولا يحصيها إلّا من هو مبديها ومعيدها، جلّت قدرته وعظمت الآؤه، وعدم العلم بها جميعاً لا ينافي في ادِّعاء الكثرة بعد أن وجدنا القرآن الكريم أشار إلى عدد منها في جملة من آياته .
كحدوث الطوفان أيام سيدنا نوح (عليه السلام)، فهو في بدئه ونهايته آية من آيات ربّه الكبرى، قال تعالى: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً)[3] .