responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : من خلق الله المؤلف : السويعدي، مالك مهدي    الجزء : 1  صفحة : 37

قلنا خذ الدفتر كمثال تقريبي على صحة ما أدّعيناه اذ انه يتكون من غلاف لونه أحمر. فاذا طوينا جزءا من الغلاف نرى لون الورقة أبيض (على قدر ذلك الجزء المطوي) فنميزالورقة عن الغلاف الاحمر. ولكننا اذا لم نطوي جزءا من الغلاف فلا يمكن رؤيتنا لأي جزء من الورقة لأنها محجوبة بالغلاف. فلا تتم الرؤية الا بانتزاع جزء من وجود الغلاف عن الدفتر.

كذلك الله سبحانه اراد انتزاع جزء من وجوده عن الجبل. فقال لموسى عليه السلام: اذا استقر الجبل فسوف تراني. لانه اذا رأى الجبل وهو مسلوب عنه وجوده سوف يرى الفرق بين الله، وعدم وجوده بالجبل.[1]

فيميزه بالرؤية. لكن الجبل لم يستقر. والسبب لأن كل ما في الكون قائم ومحاط بوجود الله.[2]

واذا سحب وجوده عنه يصبح عدما، فانتفت الرؤية مطلقا.

فقال عز وجل لموسىعليه السلام: أنظر الى الجبل فان رأيته قد استقر مكانه ،فسوف تراني. فاراد سحب احاطته ووجوده عن الجبل لكي يخلو منه، ومن احاطته، وبهذه الحالة يرى موسى الجبل خاليا من احاطة الباري به، والكون يحيط الله به فيراه عيانا.

كالماء محيط بالسمك، والهواء يحيط بنا. وكما ان الاناء المملوء بالماء لا نستطيع رؤية الماء الذي فيه، الا ان نفرغ جزء من الماء الذي في القدح فنميز

بين وجود الماء وعدم وجوده.

أو نأخذ قدحا نضع في جزء منه ماء ملونا بحيث يسهل علينا التمييز بين الماء والهواء، أو أي جنس آخر مختلف عنه شكلا لا ذاتا.

فلما سلب الله تعالى احاطته بالجبل انعدم وجود الجبل. لان كل شئ قائم به تعالى وليس لشئ وجود وبقاء دونه . لذا لم نستطيع رؤية ربنا...[3]


(1 ) العدم : أي الوجود مقابل اللاوجود (نقيض) واللاوجود لا يرى لانه ليس وجودا .

(2) فاطر 41

(3) قلنا ان الرؤية تتحقق بالضد اي تبان الاشياء باضدادها . والله سبحانه نراه ، ان وجد له شريك أو بمعنى آخر نرى وجود الله عند رؤية عدمه . فلما لا يوجد له شريك ولا يخلو منه شئ فانتفت رؤيته. فلما سلب قدرته من الجبل انعدم الجبل فلم يشاهد العدم لكي يرى الوجود (وجود الله) لمقارنته للعدم . أي يرى الله بمشاهدته لخلوه عنه . كالقدح لا نرى فيه ماء الا ان نسحب وننقص شئ من الماء فنراه.كالشخص يدخل البيت ويحصر نفسه في غرفة دون أخرى ، فنراه بتلك الغرفة دون سواها. وان كان يستوعب البيت باكمله فلا نراه . كالانسان المدّثر بالغطاء لا نراه الا ان يكشف بشئ عنه بأزالة جزء من الغطاء .والله محيط بالكون . كذلك لا نراه ، فاذا سلب شئ أو أخلى شئ عنه نستطيع رؤيته ولما كان لا يستطيع سلب شئ لانه لا يخلو منه شئ ووجوده مستمر (الاية فاطر41)

اسم الکتاب : من خلق الله المؤلف : السويعدي، مالك مهدي    الجزء : 1  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست