إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمدِ، لاَِنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ [أَوْ سَيْفُكَ ]أَوْ يَدُكَ بِعُقُوبَة، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول حَقَّهُمْ.
وَإِيَّاكَ وَالاِْعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الاِْطْرَاءِ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ، لِـيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْـمُحْسِنِينَ.
وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الاِْحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَاللهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللهُ سبحانه: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ).
[و] إيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالاُْمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَاقُطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ الَّلجَاجَةَ فِيهَا إِذا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إذَا اسْتَوْضَحَتْ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ عَمَل مَوْقِعَهُ.
وَإيَّاكَ وَالاْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلَيل تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الاُْمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاْخْتِيَارَ، وَلَنْ تَحْكُمْ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ.