لكنّهم خاضوا غمرات الموت تحت راية النبوّة، بقوّة الإيمان، وعتاد البصيرة، إلاّ من استولى الرين على قلبه، فردّوا سيوف قريش مفلولة، ورماحهم محطّمة، وجموعهم بين قتلى وأسرى ومشرّدين، فحظوا بأوّل فتح إسلامي، قويت به دعائمه وشيّدت معالمه من الإمداد { بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ }[1].
وأعظم من ذلك مشهد الطفّ الذي التطمت فيه أمواج الموت، وكشفت الحرب عن ساقها، وكشفت عن نابها.
وللأخَطَارِ وَجهٌ مُكفَهِر
يُشيِبُ لِهَولِه المُردِي الغُلاّمِ
تَرى الأبطَال مِن فَرِق سُكَارَى
يُدَارُ مِن الرَدَى فِيهم مُدَام
فقابلهم عصبة الحقّ من غير مدد يأملونه، أو نصرة يرقبونها، والعطش معتلج بصدورهم، ونشيج الفواطم من ورائهم، فتلقّوا جبال الحديد بكُلِّ صدر رحيب، وجنان طامن، فلم تسل تلك النفوس الطاهرة إلاّ على قتل أُميّة المنقوض، ولا أُريقت دماؤهم الزاكية إلاّ على حبلهم المنتكث، فلم تبرح آل حرب إلاّ كلعقة الكلب أنفه، حتّى اكتسحت معرتهم من أديم الأرض، وتفرّقوا أيدي سبا، فيوم الطفّ فتح إسلامي بعد الجاهلية المستردة من جراء أعمال الأمويين[2].
[1]آل عمران: 125، قال تعالى: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ).