مغزى لا يبعث إليه إلاّ البصيرة المميّزة لشرف الغايات المتحرّية لكرائمها.
ثُمّ إنّ من تخصيص الإمام الخطاب له دون غيره من الشهداء بقوله: " لعن اللّه من جهل حقّك واستخفّ بحرمتك " نعرف أنّ غيره من الشهداء لم يُدرك هذا المدى، وإن كان لكُلّ منهم حقّاً وحرمة، إلاّ أنّ شبل أمير المؤمنين كانت معارفه أوسع، وإيمانه أثبت، فكان له حقّ في الدين، وحقّ على الأُمة لا ينكر، فاستحقّ بكُلّ منهما اللعن على جاهله والمستخف به، فالشهداء وإن أخلصوا في التضحية والمفادات، وكان منبعثاً عن طهارة الضمائر والمعرفة بحقّ الإمام، فلهم حقوق وحرمات، لكن لحق العبّاس منعة بين هاتيك الحقوق، ولحرمته بذخ بين تلك الحرمات، بعد ما ثبت منهما لأخيه الإمام المظلوم، لنفوذ بصيرته، وصلابة إيمانه بنصّ الصادق.
ثُمّ قال الصادق (عليه السلام) في الزيارة المتلوة داخل الحرم: " أَشهد وأُشهد اللّه أنّك مضيت على ما مضى به البدريّون "[1].
لقد جرى التشبيه بالبدريّين مجرى التقريب إلى الأذهان، في الإشادة بموقف أبي الفضل من البصيرة، فإنّ أهل بدر أظهر أفراد أهل البصائر ; لأنّهم قابلوا طواغيت قريش على حين ضعف في المسلمين، وقلّة في العدّة والعتاد، فلم يملكوا إلاّ فرسين أحدهما: لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، والآخر: للمقداد بن الأسود الكندي، وكانوا يتعاقبون على سبعين بعير، الاثنان والثلاثة[2].