ولم تكن هذه البراعة والاسترسال في القول إلاّ عمّا انطبع فيها من النفسيات القوية، والملكات الفاضلة، ممتزجة بثبات جأش وطمأنية نفس وشجاعة، إن شئت فسمّها بالأديبة، وإلاّ فهي فوق ذلك، وكانت تلقي خواطرها بين تلك المحتشدات الرهيبة، أو فقل بين الناب المخلب، غير متعتعة، ولا متلعثمة، وتقذفها كالصواعق على مجتمع خصومها، فكانت أعمالها وخطبها الجزء الأخير للعلّة من نهضة السبط الشهيد، وأصبحت تمام الفضيحة للأمويين بما نشرته بين الملأ من صحيفتهم السوداء، حتّى ضعضعت عرش دولتهم، وفكّكت عرى سلطانهم، وألصقت بهم العار من كُلّ النواحي، فكانت شريكة الإمام الشهيد في هذه الفضيلة:
وهذه النفسية التي حوتها والثبات الذي انطوى عليه أضالعها، أوجب لأخيها الشهيد أن يصحبها في سفره إلى مشهد الطفّ، علماً منه بلياقتها، لتلقّي الأسرار كما هي، وأدائها في مورد الأداء كما يجب، وهذا هو الذي أهّلها لتحمّل شطر ممّا يحمله الإمام بعد حادثة الطفّ، حفظاً للسجّاد عن عادية الأعداء، فكان يُرجع إليها في معرفة الأحكام الشرعية، وإن كان المرجع إليها زين العباد (عليه السلام).