responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : شبهات السلفية المؤلف : جواد حسين الدليمي    الجزء : 1  صفحة : 45


<=

الإفهام، وذلك بأن يكون خبراً أو أمراً أو نهياً أو استفهاماً أوتنبيهاً، وهو الشامل للتمنّي، والترجّي، والتعجّب، والقسم، والنداء، ولا وجود له إلاّ في هذه الجزئيات، غير إنّ الذين أثبتوا قدم الكلام وجعلوه مغايراً لهذه المعاني أثبتوا شيئاً لا يعقل ولا يتصوّر مطلقاً.

وخلاصة القول: إنّ الكلام إمّا أن يكون إخباراً وليس وراءه شيء سوى التصوّرات والتصديقات، فيدخل في صفة العلم، وإمّا أن يكون إنشاءً وليس وراء الجملة الإنشائية المتضمّنة للأمر والنهي سوى الإرادة والكراهة، فلا وجود للكلام النفسي، لأنّه ليس بمتصوّر ولا يعقل، حتّى الأشاعرة أنفسهم لم يعقلوه.

والصحيح أنّ كلامه تعالى محدث ليس بقديم عقلا وسمعاً، فمن جهة العقل: إنّ الكلام مركّب من حروف وأصوات، ومن المحال اجتماع حروف كلمة واحدة، بل حرفين في السماع في آن واحد ودفعةً واحدة، فلابدّ أن يكون أحدهما سابق الآخر، والمسبوق حادث بالضرورة، والسابق متناه، فهو حادث بالضرورة.

وأمّا من جهة السمع: فقد قال تعالى: (ما يأتيهم من ذكر من ربّهم محدث) سورة الأنبياء الآية 2.

وأجمع المفسّرون على أنّ الذكر هو القرآن، وقوله تعالى: (إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) سورة النحل الآية 40، وهذا إخبار عن المستقبل فيكون حادثاً.

ولا يخفى ماذا يعني الالتزام بهذه المقالة الفاسدة من استلزام نسبة السفه والجهل إليه تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، فكيف يخاطب في الأزل بمثل قوله تعالى: (أقيموا الصلاة) و (يا أيّها الناس اعبدوا ربّكم) و (أوفوا بالعقود) ولا مخاطب هناك، ولا ناس عنده؟! كما ويستلزم نسبة الكذب إليه جلّ وعلا عن ذلك بمثل قوله تعالى: (إنّا أرسلنا نوحاً) ولا نوح هناك، وقوله تعالى: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ) ولا ابن أُبَي بن سلول عنده، وقوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) ولا خولة الأنصارية عنده، وقوله تعالى: (إنّ الذين ينادونك من وراء الحجرات) ولا مناد ولا حجرات هناك، بل يستلزم أن يكون كلّ ما ذكر في القرآن من سماوات وأرضين ونجوم وكواكب وإنسان وحيوان وجانّ وشجر وثمر وماء وهواء أن يكون قديماً أزلياً.

نعوذ بالله من هذا الرأي الفاسد.

ولا بُدّ من التنبيه ها هنا على أنّ أصل شيوع هذه الفكرة في الأوساط الإسلامية كان على يد يوحنّا الدمشقي وأصحابه من النصارى الذين كانوا من حاشية البلاط الأُموي، لأنّه أراد بثّ فكرة قدم كلام الله حتّى يحصل القول ضمناً بقدم المسيح عيسى بن مريم، لأنّ القرآن ذكر بأنّه كلمة الله ألقاها إلى مريم، وبذلك تثبت دعوى النصارى بقدم المسيح.

اسم الکتاب : شبهات السلفية المؤلف : جواد حسين الدليمي    الجزء : 1  صفحة : 45
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست