responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 297
وانظر إلى الكبد وأجزائها ورباطاتها وأعصابها وشريانها وفروعه والوريد البابي والوريد الكبدي وفروعهما والقناة الكبدية والأوعية الليمفاوية وفي وظيفة الكبد في إفراز الصفراء من الدم وإرسالها إلى الحوصلة المرارية. وإلى ما قيل من أن الشريان الكبدي يحفل الدم الشرياني للكبد لأجل تغذيته. والوريد البابي يحمل الدم الممزوج بالصفراء لكي تصفيه الكبد. والوريد الكبدي يحمل الدم الصافي من الصفراء إلى القلب فيكون الكبد قائما بوظيفة دورة دموية صغرى لأجل تصفية الدم كما في الدورة الرئوية. أو كما قيل في الطب القديم من أن الكبد محل هضم الكيلوس وتمييز الاخلاط منه بعضها عن بعض وتقسيمها على مجاريها ومعادنها حسب وظائفها في قوام الحياة. وما عسى أن يقال في الأوعية البولية، وآلات التناسل، والأعصاب، والأغشية، والغدد، والعضلات، والرباطات، والغضاريف، ومواضع ملتقى العظام، وأوضاعها الموزونة بالحكمة، وأعمالها المدهشة وغاياتها العجيبة. ولا يخفى أن الذي أدركه علماء الطب والتشريح من فوائد أجزاء الحيوان وغاياتها في الحياة من كثرة سعيهم إنما هو قليل من كثير خفي عليهم. ولا زال العلم يجد في استكشاف الحقائق المجهولة فيتجلى له منها تدريجا ما يبتهج به ارتياحا. ثم أنظر إلى أجزاء الحيوان على اختلافه وامتيازاتها التي يقتضيها وضع الحيوان وحاجاته وما يراد منه.

فهل يكون هذا كله بلا موجد يعلم بالغايات؟ الغايات الكبيرة الشريفة التي أدرك العلم بعضها وذكرنا يسيرا من ذلك. هل يسمح الوجدان بأن يقال إن هذا كله من الصدفة العمياء والطبيعة البكماء؟ وكيف يغيب عن الشعور ما ذكر في صحيفة 57 و 58 و 59 وقد بنى القرآن الكريم احتجاجه في الإلهية على هذه المقدمة الفطرية البديهية التي عليها عمل البشر في جميع أدوارهم وأحوالهم فوبخ ذوي الأغراض على تغافلهم عن هذا الأمر الذي جعلناه في صحيفة 59 المقدمة الأولى فقال من جملة ذلك في سورة الملك المكية (ألا يعلم من خلق) كما ذكرناه صحيفة 331. أما أنه. لو سمح القصور بهذا القول للمغفل الغبي الجاهل فإن العلم والشعور الحر لا يسمحان به للعالم والعارف والطبيب والمشرح الملتفتين إلى عجائب أجزاء الحيوان وغاياتها الشريفة المدهشة بعناية حكمتها. رمزي: إن جملة من أجزاء الحيوان لا فائدة فيها ولا غاية. وذلك كالغدة الدرقية، والزوائد الدودية والغدد الوحيدة في سطح الأمعاء بل إن الغدة الدرقية والزوائد الدودية معرض للأمراض المهلكة.

عمانوئيل: يا صاحبنا يا رمزي. هذا الدكتور المتقدم في الطب والتشريح لماذا لم يقل مثل ما تقول؟ ولماذا لم يجعل مثل قولك اعتراضا علينا. أو تشكيكا في مقصدنا فإنه لا بد من أن يكون سمع ما تكلمت أنت به أو رآه مكتوبا كما رأيته أنت. ألا تعرف أن شرف علمه يمنعه من أن يعترض بمثل اعتراضك من أين علمت أن الغدد الوحيدة لا فائدة لها ولا غاية في وجودها؟ هل أعلمتك بذلك الطبيعة البكماء؟ هل أنت حينما كنت جنينا في بطن أمك رصدت الغدد الوحيدة في أمعائها وراقبت أحوالها بمهارة العلم وجودة الفحص وعلو الفطنة فكشف لك العلم الصحيح والتجربة عن أن الغدد الوحيدة لا غاية لوجودها ولا فائدة حتى في حفظ جوهر المعاء أو مساعدته في أعماله؟ وهل جرى لك مثل ذلك مع الغدة الدرقية؟ لا، يا صاحبي لا ينبغي أن نجعل جهلنا بالفائدة والغاية دليلا علميا على عدمها. هب أنا حالا لا نخجل من أجل ذلك من العلم.

ولكننا نندم كثيرا إذا قيل لنا إن الدكتور فلان انتزع الغدة الدرقية من جملة من المصابين بمرض الجواثر فوقعوا بالبلاهة التامة. حيث يكشف لنا العلم عن أن الغدة الدرقية لها المداخلة الكبيرة في حفظ الشعر واستقامته. بل إن كبرها في الأنثى عند الحمل يكشف عن أن لها مداخلة كبيرة في امتصاص المواد العفنة ومنعها عن التصاعد إلى الدماغ. وأما ظهور الأمراض الشديدة فيها فإنه يكشف عن أن لها عملا كبيرا في حبس المواد الضارة عن الوصول إلى الأعضاء الشريفة. ولكن تلك المواد قد تزيد على ما للغدة من القوة النوعية فيظهر المرض كما هو السنة في جميع الأعضاء فانظر إلى القولون والرئة. وبمثل هذا يجري الكلام في الزوائد الدورية. ثم يا رمزي إن الذي ذكرناه من الأجزاء وعجائب غاياتها ليكفي الوجدان الحر في حكمه بأن موجدها أوجدها لأجل تلك الغايات التي كان يعلمها. وهب أنه توجد أجزاء لا غاية لها كما تقوله أنت فغاية ما يدل ذلك على أن الموجد قد يخالف الحكمة ويوجد أشياء لا فائدة لها. إذا رضي لنا شرف العلم والأدب أن نقول إن هذا العضو لا فائدة فيه. وهيهات. رمزي: إن هذه الغايات المذكورة في كلام الشيخ هي التي أوجدت الموجودات التي تحصل الغايات منها. فإن الرؤية هي التي أوجدت العين التي تحصل منها على ناموسها وأجزائها، والسمع هو الذي أوجد الأذن التي يحصل منها، والشعور هو الذي أوجد الدماغ الذي يحصل منه. وكل غاية هي التي أوجدت العضو التي تحصل منه. وحياة الشخص هي التي أوجدت الأجزاء الحيوية لذلك الشخص. إذن فما هي الحاجة إلى موجد آخر عالم بالغايات المذكورة يوجد الموجودات لأجل غاياتها.

عمانوئيل: قد سمعنا هذا الكلام عن بعض الصحف العصرية كما رأيته أنت. ولكن أليس لنا في حقوق الشعور والخطاب أن نسألك عن المعنى الذي فهمته أنت من هذا الكلام واعتمدت عليه في كلامك، فهل تقول إن هذه الغايات صار علم الموجد بها داعيا له لإيجاد الموجودات التي تحصل منها الغاية. كما أن تصور النجار للجلوس على الكرسي يكون داعيا له لأن يصنع الكرسي. وبهذا الاعتبار نتسامح ونقول إن الجلوس التصوري أوجد الكرسي. بمعنى أنه صار داعيا للنجار الذي هو الموجد الحقيقي للكرسي. أو تقول إن هذه الغايات هي الموجد الحقيقي والفاعل للإيجاد فلا موجد سواها ولا علة فاعلية غيرها. يا صاحبنا يا رمزي إن القول الأول هو عين قول الإلهيين بأن الموجد للموجودات أوجدها لداعي علمه بغاياتها وحكمتها. وأما القول الثاني فهو قول غير معقول. يا صاحبنا إن الغايات التي تذكرها هي أعدام محضة قبل وجود الأجزاء التي تحصل عنها. فهل يقول ذو شعور بأن العدم والمعدوم يكون موجدا وعلة فاعلة للإيجاد. هل يقول أحد إن المعدوم يكون موجدا حقيقيا للموجود؟؟ أنت تقول إن الغايات تحصل بالأجزاء فكيف تكون موجدا وعلة فاعلية للأجزاء؟ أعيد سؤالي عليك وأقول لماذا لم يتكلم الدكتور بمثل كلامك مع أنه هو المترشح لمكالمة الشيخ. أتدري لماذا؟ لأن له علم وشعور يميز بهما ما يكتب في الصحف.

اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 297
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست