responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 295
وقال في الآية الثانية عشر إلى الخامسة عشر من سورة (المؤمنون المكية (لقد خلقنا الانسان) في بدء خلق هذه النوع الكريم (من سلالة من طين * ثم جعلناه) في تناسله بعد ذلك (نطفة في قرار مكين) من جهاز التناسل في الذكر وجهاز التنازل في الأنثى وكل منهما كاف في أداء الوظيفة في استقراره وصيانته في أحواله وأطوار تصويره إلى تمام نشؤه الرحمي (ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) وقال في الآية والسابعة والثامنة والتاسعة من سورة السجدة المكية (الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة) مستخلصة يتكون منها الانسان (من ماء مهين) مستقذر لا يعتنى به (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون). وقال في الآية والثامنة والسبعين من سورة النحل المكية (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون). هذا ما يعرفه كل أحد من نعمة الخلقة فكيف إذا: نظر العالم إلى أسرار خلقته فينظر إلى عظامه التي هي دعائم لبدنه وحفائظ لأجزائه الشريفة ومعدلات لوضعه وأمخال لحركاته ومرتبات لأوضاعه وإلى ما جعل لها من الأغشية وأوضاع المفاصل والرباطات والغضاريف لحفظ كيانها وارتباطها وإمكان حركاتها. وإلى الجلد الذي غلف بدنه وجمع أوصاله وحسن صورته ووقى به الأنسجة الغائرة وأودعه حاسة اللمس وجعل منه البشرة بمنزلة القشرة بوضع محكم وجعلها سميكة صلبة في الأجزاء المعرضة للضغط كراحة اليد وأخمص القدم. ورخوة خلوية فيما بقي وجعل (الأدمة) باطن الجلد لدنة في الغاية متينة في درجة عظيمة في الموافقة لوقاية الأجزاء الباطنة من الآفات وجعل في الجلد منافذ تقوم بحاجات الانسان في بقاء شخصه ونوعه وجعل في الجلد أيضا مساما كثيرة جدا لإفراز فضول بدنه وامتصاص مروحات أعضائه. وجعل العين على كيفية وفي محل يمكنانها من مجال واسع للبصر ووضعها في التجويف الحجابي وقاية لها من الآفات واستخدم في وقايتها الحواجب والأجفان والأهداب زيادة على ما لهذه الأجزاء من الفوائد. وجعل العين من طبقات ثلاث ومياه ثلاثة.

فالطبقة الأولى: كرة مؤلفة من الصلبة والقرنية من أمامها. والصلبة خمسة أسداس الكرة والقرنية سدسها وزاد في تحديب القرنية لتكون أقوى على جمع النور وثقب الصلبة من الخلف لمرور العصب البصري الذي يحمل حس البصر إلى الدماغ. وعند هذا العصب تكون وريقة رقيقة غربالية تمر من ثقوبها خيوط العصب ويمر من أكبر ثقوبها الشريان المركزي ليزود العين بدورة الدم وهو مصحوب بوريد لرد الدم إلى القلب في دورة الدم ما عدا أوردة أخرى لإكمال هذه الوظيفة.

وحول الوريقة الغربالية ثقوب أصغر من الأولى تمر منها الأوعية والأعصاب الهدبية. والقرنية هي الجزء الشفاف ولها طبقات ووريقات وأعصاب وأجزاء يطول شرحها وتبهر العلم بفوائدها. والطبقة الثانية: مؤلفة من المشيمية إلى الخلف وهي خمسة أسداس الكرة ومن القزحية من الأمام وهي فاضل عضلي حلقي وراء القرنية في مركزه فتحة كبيرة هي الحدقة سميت قزحية لاختلاف لونها بحسب الأشخاص كالسواد والزرقة والشهل وجعلت بهذه الألوان لتمتص انتشار النور وهي والشبكية يثقبهما العصب البصري والشرايين والأوردة. الثالثة: الشبكية وهي غشاء عصبي لطيف قيل ترسم على وجهه صور الأجسام الخارجة.

وتأمل في الجهاز السمعي والأذن ظاهرها وباطنها وتركيبها وحكم أجزائها الباهرة وأجزائها العجيبة المدهشة كالصماخ ووضعه والدهليز والطبلة والعظيمات الثلاثة والحصى الأذنية وتيه الأذن والقنوات الهلالية وانتفاخاتها وانعطافاتها، والقوقعة وعصي كورتي والأعصاب السمعية والشريانات والأوردة. وانظر في وضع الفم العجيب وأجزائه ووظائفها والأسنان المرتبة على مقتضى الحاجة وأحكام وضع الطواحن الفوقانية بأن جعل لكل واحدة منها ثلاث شعب. وانظر إلى غدد الفم وما ذكر لها من الفوائد الباهرة. وتأمل في الجهاز الهضمي وما فيه من عجائب الحكم وإتقان التراكيب وتغليف الأحشاء بالبريتون المستقصي لحفظها بسيره وانعطافاته وانعكاساته. وانظر إلى المعدة ووضعها وما اشتملت عليه من الطبقات والأجربة والغدد والبواب والشرايين والأوردة والأعصاب لأداء الوظائف والغايات التي أدرك العلم بعضها.

وتأمل في الابيثيليوم الذي جعل لوقاية الأمعاء بمنزلة البشرة للجلد وتأمل في الأمعاء وحكمة تركيبها، ووضعها، وانعطافاتها، وانقسامها، وصماماتها، واختصاص كل منها بصمام يحبس ما فيه إلى أن يؤدي ذلك المعاء وظيفته من الهضم وغيره ثم يقذفه إلى غيره. فمنها المعاء الدقيق المتصل بالمعدة بواسطة البواب والمتلفف المشتمل على الطبقات والشرايين والأوردة والأعصاب والغدد والأوعية الرواضع الليمفاوية اللبنية. قيل وفيه يجتمع الكيموس وعصارة البنكرياس وإفراز الغدد المعوية، وفيه ينفصل بعض المواد الغذائية وهي الكيلوس عن المواد الثفلية. وينقسم إلى الاثني عشري وهو أوسع أقسام المعاء الدقيق وأكثرها ثباتا. وبعده الصائم وهو أوسع من القسم الذي بعده وجدرانه أغلظ ويسمى صائما لأنه يوجد في الغالب خاليا. وبعده اللفائفي وهو أضيق وأرق، وينتهي بابتداء المعاء الغليظ الممتاز بغلظه وتثبت وضعه وشكله المعقد وحزمه المتكفلة بأعمال كبيرة في الضغط والهضم والدفع. وينقسم الغليظ أيضا إلى الأعور وهو جراب في مبتداه. وتأمل في وضعه وسعته وصمامه الذي يمنع سيل ما فيه إلى اللفائفي ولا يمنع السيل من غيره إليه. وبعده القولون وهو محيط بالمعاء الدقيق وصاعد من ابتدائه عند ملتقاه مع اللفائفي والأعور ثم يستعرض في البطن من اليمين إلى اليسار ثم ينزل في المراق الأيسر ثم يتعرج وينتهي بالمستقيم الذي هو الجزء الأخير منه. ومن فوائد الغليظ هضم الطعام الذي ضعف عن هضمه المعاء الدقيق واستخلاص ما بقي من المواد الغدائية منه. ومهما أدرك العلم وفحص التشريح من فوائد هذا الجهاز العجيب وفوائد أجزائه وأوضاعه وأعمالها العجيبة فإنه قليل من كثير وهو مع ذلك يوقف الناظر موقف البصيرة ويعرفه آيات الحكمة الباهرة.

اسم الکتاب : الرحلة المدرسيّة والمدرسة السيّارة في نهج الهدى المؤلف : البلاغي، الشيخ محمد جواد    الجزء : 1  صفحة : 295
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست