لقد وضعته أتم الوضع و أهونه و أيسره، و هذه الطير الذي نزل بإزاء حجرتي لفي منازعتي، تسألني منذ وضعته أن أدفعه إليها تحمله إلى عشاشها، و هذه السحابة تسألني كذلك.
قال عبد المطلب: فهلمّيه حتى أنظر إليه، قالت: حيل بينك و بينه أن تراه يومك هذا، قال: و لم ذاك؟ قالت: لأنه أتاني آت ساعة ولدته كأنه قضيب فضة أو كالنخلة الباسقة قال: يا آمنة انظري أن لا تخرجي هذا الغلام إلى خلق من ولد آدم حتى يأتي عليه من يوم ولدته ثلاثة أيام، فسل عبد المطلب سيفه فقال: لتخرجنه أو لأقتلنك، قالت: شأنك و إياه، قال: و أين هو؟ قالت: في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف أبيض أشد بياضا من اللبن و تحته حريرة خضراء.
قال عبد المطلب: فلما هممت أن أفتح الباب برز إليّ من داخل البيت رجل لم أر من الرجال أهول منه منظرا، شاهرا سيفه بيده فحمل عليّ و قال: إلى أين ثكلتك أمك؟ قال قلت: أدخل البيت، قال:
و ما تصنع؟ قال قلت: أنظر إلى ابني محمد، قال: ارجع وراءك، فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته أو تنقضي عنه زيارة الملائكة، فارتعد عبد المطلب و ألقى السيف من يده و خرج مبادرا ليخبر قريشا بذلك، فأخذ اللّه على لسانه فلم ينطق بهذه الكلمة سبعة أيام و لياليها.
109- قال مجاهد: سألت ابن عباس قلت: تنازعت الطير و السحاب في رضاعه؟ قال: نعم، و جميع الخلق: الجن و الإنس، و ذلك أنه لما رد على آمنة نادى منادي الرحمن من بقاع الأرض و أطباق السماوات: معاشر الخلائق هذا محمد بن عبد اللّه طوبى لثدي أرضعته، و طوبى لأيد كفلته، بل طوبى لبيت يسكنه.