في جنازة و حوله أصحابه و عليه شملتان مرتد بواحدة، و متزر بأخرى، فسلمت عليه ثم تحولت حتى قمت وراءه لأنظر في ظهره، قال: فعرف رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) أني أريد أن أنظر و أستثبته، فقال بردائه فألقاه على ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فانكببت على رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) أقبل موضع الخاتم من ظهره و أبكاني، قال: فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه شأني و حديثي، فأعجب ذلك رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم)، و أحب أن أسمع ذلك أصحابه، قال: ثم إني أسلمت فمكثت مملوكا حتى مضى شأن بدر و شأن أحد و شغلني الرق و ما كنت فيه فلم أشهدهما مع رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) ثم قال لي رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم): كاتب، فسألت صاحبي الكتابة، فلم أزل به حتى كاتبني على أن أحيي له ثلاثمائة نخلة، و بأربعين أوقية ورق، و ذلك أربعة آلاف درهم، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم): أعينوا أخاكم بالنخل، فأعانوني بقدر ما كان عندهم، يعطيني الرجل ثلاثين فما دون ذلك إلى الثلث حتى جمعتها، ثم قال رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم): فقّر لها فإذا أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنني فأكون أنا أضعها بيدي في تفقيرها.
قال: و أعانني أصحابي، و حفروا ثلاثمائة سربة، و جاء أصحابي كل رجل منهم بما أعانني من الودية، فوضعته ثم جئت رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) فأخبرته فخرج فجعلنا نحمل إليه الودية فيضعها رسول اللّه (صلى الله عليه و سلم) بيده ثم يسوي عليها ترابها و يبرك، حتى فرغنا منها ودية ودية، فما سقطت منها قوله: «و حفروا ثلاثمائة سربة»:
السّرب: الحفير تحت الأرض، و تطلق أيضا على القناة الجوفاء التي يدخل منها ماء الحائط، يقال للرجل إذا حفر فأخذ يمينا و شمالا: قد سرب.