اسم الکتاب : دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الشريعة المؤلف : أبو بكر البيهقي الجزء : 0 صفحة : 15
(1) ألسنتهم من اللّه بوساطتهم، و لا يعلمونها إلا بتعليم اللّه إياهم ..
قال (صلّى اللّه عليه و سلّم):
«ألّا و إنّي لا أعلم إلّا ما علّمني اللّه».
و اعلم أن خبرهم في ذلك، من خاصيّته و ضرورته الصدق، لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة.
و علامة هذا الصنف من البشر: أن توجد لهم- في حال الوحي- غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين، و ليست منهما في شيء، و إنما هي- في الحقيقة- استغراق في لقاء الملك الروحاني:
بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل الى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند اللّه.
ثم تنجلي عنه تلك الحال، و قد وعى ما ألقي عليه.
قال (صلّى اللّه عليه و سلّم)، و قد سئل عن الوحي: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، و هو أشدّه عليّ، فيفصم عني و قد وعيت ما قال. و أحيانا يتمثّل إليّ الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول».
و يدركه أثناء ذلك، من الشدة و الغطّ ما لا يعبّر عنه. ففي الحديث:
«كان مما يعالج من التنزيل شدة».
و قالت عائشة:
كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه و إن جبينه ليتفصّد عرقا» و قال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا.
و لأجل هذه الحالة في تنزّل الوحي، كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، و يقولون له رئي، أو تابع من الجن .. و إنما لبّس عليهم، بما شاهدوه من مظاهر تلك الأحوال:
اسم الکتاب : دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الشريعة المؤلف : أبو بكر البيهقي الجزء : 0 صفحة : 15