من الأول، ألا و هو إسلام عمر بن الخطاب، أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة [1].
بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي اللّه عنه [2]. و كان النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قد دعا اللّه تعالى لإسلامه، فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر، و صححه، و أخرج الطبراني عن ابن مسعود و أنس أن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قال: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام» فكان أحبهما إلى اللّه عمر رضي اللّه عنه [3].
و بعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجا، و لكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي اللّه عنه من العواطف و المشاعر.
كان رضي اللّه عنه معروفا بحدة الطبع و قوة الشكيمة، و طالما لقي المسلمون منه ألوان الأذى، و الظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة، احترامه للتقاليد التي سنها الآباء و الأجداد، و استرساله مع شهوات السكر و اللهو التي ألفها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين و احتمالهم البلاء في سبيل عقيدتهم، ثم الشكوك التي كانت تساوره- كأي عاقل- في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل و أزكى من غيره، و لهذا ما إن يثور حتى يخور. قاله محمد الغزالي [4].
و خلاصة الروايات مع الجمع بينها- في إسلامه رضي اللّه عنه أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، و دخل في ستر الكعبة، و النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) قائم يصلي و قد استفتح سورة «الحاقة» فجعل عمر يستمع إلى القرآن، و يعجب من تأليفه، قال: فقلت- أي في نفسي- هذا و اللّه شاعر كما قالت قريش،. قال: فقرأ: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ [الحاقة: 40- 41] قال: قلت: كاهن. قال: وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ. قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إلى آخر السورة. قال فوقع الإسلام في قلبي [5].
[5] تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 6، و يقرب من هذا ما رواه ابن إسحاق عن عطاء و مجاهد. لكن في آخره ما يخالف ذلك. انظر ابن هشام 1/ 346، 347، 348، و يقرب من هذا أيضا ما أورده ابن الجوزي عن جابر، و في آخره أيضا ما يخالف هذه الرواية انظر تاريخ عمر بن الخطاب ص 9- 10.