responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 419

خلال هذا الأمد، حتى نجحت الدعوة الإسلامية على نطاق واسع تتحير له العقول، فقد دانت لها الجزيرة العربية، و زالت غبرة الجاهلية عن آفاقها، و صحّت العقول العليلة، حتى تركت الأصنام؛ بل كسرت، و أخذ الجو يرتج بأصوات التوحيد، و سمع الأذان للصلوات يشق أجواز الفضاء خلال الصحراء التي أحياها الإيمان الجديد، و انطلق القراء شمالا و جنوبا، يتلون آيات الكتاب، و يقيمون أحكام اللّه.

و توحدت الشعوب و القبائل المتناثرة، و خرج الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، فليس هناك قاهر و مقهور، و سادات و عبيد، و حكام و محكومون، و ظالم و مظلوم، و إنما الناس كلهم عباد اللّه، إخوان متحابون، متمثلون لأحكامه، أذهب اللّه عنهم عيبة الجاهلية و نخوتها و تعاظمها بالآباء، و لم يبق هناك فضل لعربي على عجمي، و لا لعجمي على عربي، و لا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، الناس كلهم بنو آدم، و آدم من تراب.

و هكذا تحققت- بفضل هذه الدعوة- الوحدة العربية، و الوحدة الإنسانية و العدالة الاجتماعية، و السعادة البشرية في قضاياها و مشاكلها الدنيوية، و في مسائلها الأخروية، فتقلب مجرى الأيام، و تغير وجه الأرض، و انعدل خط التاريخ، و تبدلت العقلية.

إن العالم كانت تسيطر عليه روح الجاهلية- قبل الدعوة- و يتعفن ضميره، و تأسن روحه، و تختل فيه القيم و المقاييس، و يسوده الظلم و العبودية، و تجتاحه موجة من الترف الفاجر و الحرمان التاعس، و تغشاه غاشية الكفر و الضلال و الظلام، على الرغم من الديانات السماوية، التي كانت قد أدركها التحريف، و سرى فيها الضعف، و فقدت سيطرتها على النفوس، و استحالت طقوسا جامدة لا حياة فيها و لا روح.

فلما قامت هذه الدعوة بدورها في حياة البشرية؛ خلصت روح البشر من الوهم و الخرافة، و من العبودية و الرق، و من الفساد و التعفن، و من القذارة و الانحلال، و خلصت المجتمع الإنساني من الظلم و الطغيان، و من التفكك و الانهيار، و من فوارق الطبقات، و استبداد الحكام، و استذلال الكهان، و قامت ببناء العالم على أسس من العفة و النظافة، و الإيجابية و البناء، و الحرية و التجدد، و من المعرفة و اليقين، و الثقة و الإيمان و العدالة و الكرامة، و من العمل الدائب؛ لتنمية الحياة، و ترقية الحياة، و إعطاء كل ذي حق حقه في الحياة [1].

و بفضل هذه التطورات شاهدت الجزيرة العربية نهضة مباركة لم تشاهد مثلها منذ نشأ فوقها العمران، و لم يتألق تاريخها تألقه في هذه الأيام الفريدة من عمرها.


[1] من كلمة سيد قطب في مقدمة ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 14.

اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 419
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست