responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 418

نجاح الدعوة و أثرها

و قبل أن نتقدم خطوة أخرى إلى مطالعة أواخر أيام حياة الرسول (صلّى اللّه عليه و سلم)، ينبغي لنا أن نلقي نظرة إجمالية على العمل الجلل الذي هو فذلكة حياته، و الذي امتاز به عن سائر الأنبياء و المرسلين، حتى توج اللّه هامته بسيادة الأولين و الآخرين.

إنه (صلّى اللّه عليه و سلم) قيل له: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا الآيات. و يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ الآيات، فقام، و ظل قائما أكثر من عشرين عاما، يحمل على عاتقه عب‌ء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عب‌ء البشرية كلها، و عب‌ء العقيدة كلها، و عب‌ء الكفاح و الجهاد في ميادين شتى.

حمل عب‌ء الكفاح و الجهاد في ميدان الضمير البشري الغارق في أوهام الجاهلية و تصوراتها، المثقل بأثقال الأرض و جواذبها، و المكبل بأوهان الشهوات و أغلالها، حتى إذا خلص هذا الضمير في بعض صحابته مما يثقله من ركام الجاهلية و الحياة الأرضية، بدأ معركة أخرى في ميدان آخر، بل معارك متلاحقة .. مع أعداء دعوة اللّه المتألبين عليها، و على المؤمنين بها، الحريصين على قتل هذه الغرسة الزكية في منبتها، قبل أن تنمو و تمد جذورها في التربة، و فروعها في الفضاء، و تظل مساحات أخرى .. و لم يكد يفرغ من معارك الجزيرة العربية؛ حتى كانت الروم تعد لهذه الأمة الجديدة، و تتهيأ للبطش بها على تخومها الشمالية.

و في أثناء هذا كله لم تكن المعركة الأولى- معركة الضمير- قد انتهت، فهي معركة خالدة، الشيطان صاحبها، و هو لا يني لحظة عن مزاولة نشاطه في أعماق الضمير الإنساني، و محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) قائم على دعوة اللّه هناك، و على المعركة الدائبة في ميادينها المتفرقة، في شظف من العيش، و الدنيا مقبلة عليه، و في جهد وكد، و المؤمنون يستروحون من حوله ظلال الأمن و الراحة؛ و في نصب دائم لا ينقطع، و في صبر جميل على هذا كله، و في قيام الليل، و في عبادة لربه، و ترتيل لقرآنه، و تبتل إليه كما أمره أن يفعل‌ [1].

و هكذا عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين عاما، لا يلهيه شأن في‌


[1] كلمة سيد قطب في ظلال القرآن 29/ 168، 169.

اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 418
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست